نظرية النخبة و السلطة السياسية
صفحة 1 من اصل 1
نظرية النخبة و السلطة السياسية
|
يحي سباع- الإدارة العامة
- عدد المساهمات : 339
تاريخ التسجيل : 11/06/2016
رد: نظرية النخبة و السلطة السياسية
ج- البرجوازيةBourgeoisie:
طبقة اجتماعية من أصحاب المهن الحرة نشأت في القرون الوسطي الأوروبية, سميت كذلك لأنهم كانوا يعيشون إما في المدن أو في( قري صغيرةBourgs) يتمتعون فيها ببعض الامتيازات. لعبت هذه الطبقة دورا هاما في إنجاح الثورة الفرنسية. وتتشكل البرجوازية من مجموع المالكين الفرديين أو الجماعيين لوسائل الإنتاج ومديري المؤسسات التجارية والصناعية والمالية, والمضاربين وكبار الملاك, وبشكل عام أولئك الذين يعيشون أساسا من العوائد الرأسمالية المرتفعة إلي حد ما. ومن الأنظمة الديمقراطية أصبحت البرجوازية تتميز بامتلاكها لوسائل الإنتاج ولسلطة اجتماعية تقوم علي مفهوم النخبة(15).
د-الأرستقراطية:
تعني كلمة الأرستقراطية لغويا حكم الأفضل, ووفقا لأرسطو تمثل الحكم الأكثر رشدا من أشكال الحكم, أي حكم الموهوبين لصالح الشعب. الا ان المعني التاريخي او التطبيق السياسي للأرستقراطية مختلف تماما, فإنها تحمل معاني النخبة والطبقة الحاكمة من حيث محدودية العدد والتميز(16).
هـ- الأوليجاركية:
لغويا تختلف الأرستقراطية والاوليجاركية, إذ تعني الأوليجاركية حكم الأقلية, أما الأرستقراطية فتعني حكم الأفضل. وقد استخدم روبرت داهل عالم الاجتماع الامريكي لفظ' الاوليجاركية' كمرادف للصفوة الحاكمة, أما موسكا فاعتبر الاوليجاركية شكلا من أشكال الطبقة الحاكمة(17).
و- القيادة السياسية:
يستخدم كثيرمن علماء الاجتماع مصطلح القيادة السياسية للدلالة علي مفهوم النخبة الحاكمة. فالقيادة السياسية هي السياسيون مثل رئيس السلطة التنفيذية, والوزراء بالاضافة إلي أعضاء البرلمان. وذلك للتفرقة بينها وبين القيادة الإدارية إو الإداريين الذين يحتلون قمة الهرم الوظيفي في جهاز الخدمة المدنية. ومع أن كلا من مفهومي القيادة والنخبة يتعلقان بجانب التوجيه في العملية السياسية, إلا أنه يجب التمييز بينهما من الناحية التحليلية, فالقيادة في جوهرها ظاهرة فردية والنخبة في أساسها ظاهرة جماعية(18).
ثانيا- تعدد مضامين المفهوم وأبعاده الجديدة:
لقد كان استخدام مفهوم النخبة منذ البداية لدي علماء الاجتماع والسياسة يحمل في داخله التنوع, حيث جاء في موسوعة العلوم الاجتماعية(19) أن المجتمعات الحديثة لا توجد بها نخبة واحدة متكاملة وإنما توجد بها أشكال من النخبة المتخصصة مرتبطة بالنظام الاجتماعي بطرق مختلفة وفقا لتخصص كل منها, لذلك فهي متنوعة فيما بينها فنجد هذه الأشكال للنخبة تتمثل في الرسامين, ورجال الأعمال, ونجوم السينما, والعلماء, حيث كل منهم مؤثر في مجال مختلف وهذه التعددية للنخبة تعكس وتقوي خاصية التعدد في المجتمعات الحديثة. وقد انعكس ذلك في افكار كل من سانت سيمون1807 وأيضا باريتو في عام1902 ومانهايم في عام.1935
فمصطلح النخبة كان يقصد هؤلاء المفكرون به أشكالا مختلفة وفقا للوظائف والمواقع التي يتخذها كل شكل من أشكال النخبة داخل المجتمع حيث إن العامل المهم الذي قد يميزهم عن غيرهم مواهبهم والمهارات والقدرات التي يملكونها فضلا عن الوزن الاجتماعي الذي يحظون به اكثر من غيرهم نتيجة تأثير أنشطتهم داخل المجتمع. وهذه الميزة التي يتمتع بها هؤلاء الافراد ويتركون بها تأثيرهم داخل المجتمع تجعلنا نطلق عليهم وفقا لهذا العامل النخبة الاستراتيجية التي تأخذ علي عاتقها عملية التأثير والتغيير داخل المجتمع(20).
من هنا تتدرج النخب عبر المستويات المختلفة للبناء الاجتماعي السياسي, بدءا من النخبة السياسية الحاكمة ومرورا بما يمكن أن نطلق عليه النخب الوسيطة( كجماعة المثقفين والعلماء علي سبيل المثال لا الحصر) وانتهاء بالنخب المحلية علي مستوي المدن الصغيرة والقري(21). ورغم أن هذا التدرج في تركيب النخب من المركزية إلي المحلية هو التصنيف الأكثر شيوعا. إلا أن ثمة تصنيفات أخري كأن نصنف النخب حسب المجالات او النطاقات التي تظهر فيها, فنقول نخبة اقتصادية, وأخري فنية, وثالثة مهنية, ورابعة سياسية, أو كأن نصنف النخب وفقا لوظائفها أو وفقا لنظم المجتمع المختلفة, أو كأن نصنفها الي نخب سياسية ونخب غير سياسية علي اعتبار أن النخب السياسية هي تلك الجماعات الأكثر تأثيرا في القرارات السياسية الهامة, بينما يكون للنخب غير السياسية تأثير في مجالات الحياة الأخري(22).
1- النخبة.. ما بين السياق السياسي والسياق الاجتماعي:
ينظر إلي النخب السياسة علي أنها تختلف في طبيعة تأثيرها وفقا لما تتمتع به من قوة ونفوذ. لذلك فان أقوي هذه النخب وأشدها نفوذا هي تلك النخبة التي نطلق عليها' النخبة المركزية' والتي تتكون من كبار رجال الدولة في أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية. وتدور في فلك هذه النخبة المركزية نخب سياسية واجتماعية عديدة, ومن النخب السياسية: النخب الحربية التي تتكون من قادة الأحزاب الرئيسية, والأحزاب التي في طور التشكيل, والنخب السياسية في المدن والقري المكونة من الزعماء المحليين وأعضاء المجالس المحلية والقادة المحليين.
ولقد طرأت حديثا عدة تغيرات علي مفهوم النخبة, فلقد اتسع المفهوم اتساعا كبيرا بحيث لم يعد مقصورا علي النخب السياسية فحسب, وإنما أصبح يضم ايضا فئات كثيرة وكبيرة, وجاء ذلك علي أيدي السلوكيين وعلي رأسهم روبرت دال, حيث قد افسحت الصياغات النظرية المحدثة مكانا لمفهوم النخب المتعددة وذلك من منطلق الفهم, فينطلق من فهم تعددي للحياة الاجتماعية والذي يفترض أن القوة موزعة علي كل الجماعات دون أن تحتكرها جماعة واحدة. واتضح مفهوم النخب المتعددة بشكل جلي في دراسة سوزان كيلر المنشورة عام1963 والتي افترضت فيها وجود نخب استراتيجية في ميادين الحياة المختلفة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع المدني, ولكل واحدة من هذه النخب وظيفة في ميدان وجودها. فلقد أصبح بمقدورنا الآن أن نتحدث عن نخب ثقافية ونخب اجتماعية تعمل في نطاق المجتمع المدني, وفي الميدان الثقافي دون أن تصل الي سدة الحكم. فالجماعات التي تحمل لواء الثقافة وتدافع عنها, وتلك التي تقود الصياغات الثقافية الحاكمة وكذلك الجماعات الرائدة في مجال حقوق الإنسان وفي مجال الدفاع عن البيئة أو الأسرة... الخ كل تلك الجماعات تتضافر جهودها مع جهود النخب الاستراتيجية في المجال الاقتصادي والنخب الاستراتيجية في المجال السياسي من أجل أن يعمل المجتمع في نسق فعال. وانطلقت من هنا دراسات النخبة من شرنقة دائرة النفوذ السياسي الي مجال أوسع وأرحب تمثل دائرة النفوذ الاجتماعي والثقافي. وأصبح في إمكاننا دراسة النخب في مجالات متعددة في القرية والمدينة والمؤسسة والتنظيم وفي المجال المدني بشكل عام(23).
ومن هنا نلحظ ان مفهوم النخبة قد يتعدد, الأمر الذي يجعل استخدام اقتراب النخبة لا يقتصر فقط علي دراسة النخبة السياسية في قمة الهرم السياسي وإنما من الممكن استخدام هذا الاقتراب في دراسة النخبة في كل مستويات الهرم السياسي والاجتماعي بدءا من قاعدته الي قمته. وذلك انطلاقا من أن أي تكوين اجتماعي بشري لا يخلو من نخبة او صفوة موجودة فيه تمتلك قدرات ومواصفات وامكانيات خاصة تميزها عن غيرها ومن ثم يظهر تأثيرها في النطاق الاجتماعي التي توجد فيه. قد يكون هذا النطاق قرية: العمدة وأعيان القرية علي سبيل المثال, أو قبيلة شيخ القبيلة ورؤوس العائلات, او في المدينة نفسها.. وهذا التعدد والتنوع للمفهوم نجد له مستويات مختلفة قد تأخذ شكلا أفقيا في تأثيرها وقد تأخذ شكلا رأسيا, أو بمعني آخر أن هناك نخبا لها تأثيراتها ووصايتها عن الحيز الاجتماعي الذي توجد فيه, القرية والقبيلة علي سبيل المثال. وهناك من النخب من تتعدي تأثيراتها الأفقية والرأسية معا وهي النخب التي تستند علي الصيت والشهرة مثل النخبة الفنية والنخبة المتعلقة بالرياضيين وبالأخص الذين يتمتعون بالشهرة, حيث إن شهرة هؤلاء جعلتهم نخبة بالسمعة والصيت اللذين يحظيان به داخل شريحة عريضة من المجتمع وهي في هذه الحالة تتعدي في شهرتها كل الأوساط الاجتماعية العليا والدنيا.
ومن هنا فإن اتساع مفهوم النخبة يساعد في اتساع نطاق الدراسة داخل المجتمع. فيمكن من خلال اقتراب النخبة دراسة ديناميكية المجتمع عن طريق التركيز علي النخبة بالشكل الذي تظهر فيه في التنظيمات السياسية والمجتمعية سواء الرسمي منها أو غير الرسمي. فالمجتمع يضم خليطا من النخب المهنية( قادة النقابات) والمدنية( قادة المؤسسات الطوعية وجماعات الضبط السياسي) والنسوية( النساء النشيطات في مجال الحقل النسوي), والدينية( كبار رجال الدين), والطلابية( قادة الطلاب ورواد الأنشطة الجامعية) وثمة تداخل كبير بين هذه النخب وبعضها البعض وبين النخب السياسية. ومن ثم فإن تصنيفا للنخب لا يكون جامعا مانعا بحال من الأحوال(24), حيث في مقابل الرأي الذي يركز علي النخبة السياسية هناك اتجاه آخر قاده كل من سان سيمون, وكارلهايم, وريمون ارون, ورايت ميلز أكد فيه أصحابه علي وجود اشكال متعددة من النخب تعمل بشكل مشترك( نخبة عسكرية, نخبة اقتصادية, وسياسية) فالمجتمع بحسب هذا الرأي الأخير ينتج ويفرز بالإضافة الي النخب السياسية نخبا أخري. غير أن الأخيرة لا تحظي بممارسة أدوار سياسية كبري. ويعتقد البعض أن الفرق الأساسي بين النخبة السياسية وباقي النخب يكمن في كون الأولي تتمتع بمجموعة من الصلاحيات تجعلها هي المقررة الأولي للمجتمع بحيث تختار له توجهاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية أحيانا بما يجعل سلطاتها واسعة وتأثيرها محدودا. أما النخب الأخري فإنها تمارس نفوذها وسلطتها داخل مجالاتها الخاصة, دون أن تستطيع التأثير علي التوجهات السياسية بشكل قوي وفعال(25).
2- شبكة المفاهيم المرتبطة بمفهوم النخبة:
يهدف الباحث من تحديد ورسم شبكة المفاهيم المرتبطة بمفهوم النخبة إلي تحديد العلاقات فيما بينها وأيهما يكون هو المفهوم الأشمل الذي تتضمن وتتفرع عنه المفاهيم الأخري.
فاذا كان المجتمع هو الحقل البحثي الذي تتوزع فيه شبكة المفاهيم فأي هذه المفاهيم التي يمكن ان يكون هو مفهوم القاعدة التي يمكن من خلالها أن تتفرع عنها مفاهيم أخري وأيهما الذي يمكن أن يأخذ الشكل المضاد للآخر, حيث إن إظهار العلاقة بين المفاهيم وبعضها البعض لا يقتصر علي مناطق التشابه, ولكن يشمل التضاد والتناقض. فعلي قدر ما أن هناك سمات مشتركة علي قدر ما أن هناك سمات تدخل في باب الاختلاف. فمثلا مفهوم النخبة قد يشترك مع مفهوم الجماعة في أنه يشير الي مجموعة من الافراد داخل المجتمع إلا أنه يختلف كل منهما عن الآخر من حيث معايير الكم والكيفية. فمفهوم النخبة يشير إلي عدد محدود ومميز وذي صفات استثنائية.
بمعني آخر ان مفهوم النخبة يمكن استخلاصه من مفهوم الجماعة. فإذا كنا علي سبيل المثال نشير الي مفهوم الجماعة بالجماعة المثقفة المصرية فهذا سوف يشمل كل ما يدخل فيها من المثقفين. أما عندما يتم الاشارة الي النخبة المثقفة, ففي هذه الحالة سوف تحدث عملية انتقاء من داخل الجماعة لأبرز عناصرها المميزة في الصفات والقدرات ونطلق عليها النخبة المثقفة المصرية. نفس الأمر ينطبق علي مفهوم الطبقة حيث في كل طبقة يمكن الحديث عن نخبة مؤثرة. كما أن المفهوم قد يتداخل ويصبح مرادفا لمفاهيم أخري مثل النفوذ, والثروة, والقوة. ومن هنا في هذا الاطار سوف يتم تقسيم المفاهيم التي ترتبط بمفهوم النخبة إلي أربع شرائح.
اولا- المفاهيم التي تتقابل مع المفهوم في منطقة مشتركة: مفهوم الطبقة, ومفهوم الجماعة... الخ.
ثانيا- المفاهيم المرادفة للمفهوم: مفهوم الأقلية, ومفهوم القيادة... الخ.
ثالثا- المفاهيم المضادة: مفهوم الأغلبية, ومفهوم المهمشين... الخ.
رابعا- المفاهيم التي تشكل ركائز لمفهوم النخبة: مفهوم القوة, والمكانة الاجتماعية, والنفوذ, والثروة... الخ.
ثالثا- التعريف النظري لمفهوم النخبة السياسية:
ترجع صعوبة التعريف النظري لكثير من المفاهيم في مجال العلوم الاجتماعية, ومنها مفهوم النخبة الحاكمة الي مصدرين أساسيين: المصدر الأول هو غموض المفهوم حيث تستخدم الكلمات ذاتها للدلالة علي معان مختلفة, ويرجع ذلك الي استخدام المفهوم عبر أزمنة متعددة وفي ظل أطر ثقافية وفكرية واجتماعية مختلفة. والمصدر الثاني هو التباس معاني ودلالة بعض الكلمات حيث تستخدم كلمات مختلفة للدلالة علي ذات المعني.
ويتم التغلب علي مشكلة غموض مفهوم النخبة الحاكمة والتباسه بفحص المصطلحات المستخدمة في الأدبيات كمرادفات لكلمة النخبة الحاكمة وتحليل مكوناتها المختلفة.. ومن استعراض عدد من الكتابات عن الظاهرة موضع البحث يتضح بجلاء تعدد المعاني التي تستخدم نفس التعبير للدلالة عليها. فيعرف هارولد لاسويل' النخبة السياسية' بأنها تشمل الحائزين للقوة في الجسد السياسي وهم القادة والتكوينات الاجتماعية التي أتي منها هؤلاء القادة والذين يتحملون مسئولية تجاهها خلال جيل محدد. فالنخبة السياسية هي قمة طبقة القوة, ويعرفها سي رايت ميلز: تتكون نخبة القوة من رجال في مناصب تسمح لهم بصنع قرارات لها نتائج وآثار كبري, انهم قمة تنظيمات المجتمع الحديث. اما روبرت داهل فيعرف النخبة الحاكمة بأنها جماعة ضبط وتوجيه أقلية من الأفراد تسود دائما تفضيلاتهم بصدد القضايا السياسية الكبري في المجتمع. كما يري جيمس ميلز إطلاق لفظ النخبة علي أي جماعة قيادية صغيرة(26).
ووفقا للتعريفات السابقة نلاحظ أن هناك مسميات مختلفة للدلالة علي ذات المفهوم. ومن ثم سوف نحاول فيما يلي تعريف مفهوم النخبة وفقا للاتجاهات النظرية المختلفة.
1- الاتجاه التنظيمي:
ويمثله موسكا وروبرت ميشلز, ويذهب هذا الاتجاه الي ان النخبة تمتلك القوة لقدراتها التنظيمية والدقة في تقدير مصادر القوة في المجتمع(27). حيث يري موسكا أن وضع النخبةElitePosition هو نتيجة حيازة اعضائها شيئا ما يقدره المجتمع: ثروة أو مكانة دينة... الخ. الا ان الفضل في قوة وسيطرة النخبة يعود بالدرجة الاولي الي ما لديها من قدرات تنظيمية كبيرة, اي الي قدرتها علي التماسك في مواجهة القوي الاخري في المجتمع. ويري موسكا ان صغر حجم الصفوة وبساطة وسائل الاتصال المتوافرة لديها يمنحانها هذه المقدرة التنظيمية العالية. وهي, لهذا تستطيع وضع السياسات واتخاذ القرارات بسرعة, والاستجابة الفورية للظروف المتغيرة والظهور بمظهر التضامن الكامل في أقوالها وأفعالها, أما الأغلبية فهي غير منظمة وتضم أفرادا ليس لهم هدف مشترك او نظام اتصال معروف او سياسات متفق عليها(28).
وقد طور' ميشلز' من الاتجاه التنظيمي الذي يتفق مع' موسكا' علي ان جوهر قوة النخبة يكمن في قدرتها العالية علي التماسك والتنظيم ولكنه اختلف معه حول بعض القضايا, من أهمها مجال استخدام النخبة. فبينما استخدم' موسكا' مفهوم النخبة بالمعني الواسع كظاهرة مفسرة للتاريخ, اهتم' ميشلز' بدراسة خصائص وتشكيل النخب في التنظيمات الكبيرة الحجم مثل الاحزاب والنقابات. فيري' ميشلز' ان كل التنظيمات الاجتماعية تتطلب وجود نخبة او قيادة لعدة أسباب, منها أسباب فنية وهي تقسيم العمل وتعقد الأعمال الإدارية مما يستلزم الحاجة الي المعرفة المتخصصة, وأسباب بيئية مثل كبر حجم التنظيم وصعوبة الاتصال بين الرؤساء والمرؤوسين والحاجة الي سرعة اتخاذ القرار. وأسباب نفسية وهي حاجة المرؤوسين الي زعامة قوية وثابتة وقادرة علي قيادتهم. وتدفع هذه الأسباب مجتمعة الي تركز القوة داخل التنظيمات في أيدي عدد من القادة, وتؤدي حاجة المرؤوسين إليهم الي اعتقادهم بأنهم يمتلكون صفات ذاتية استثنائية مما يقوي ايضا من سلطتهم داخل التنظيم. كما يميز استخدام' ميشلز' لمفهوم النخبة تركيزه علي أهمية البعد الزمني, فالنخبة ليست أقلية من الشعب تحكم في تنظيم كبير ولكن اقلية لا تتغير عبر الزمن وهو ما أطلق عليه' القانون الحديدي للأوليجاركية' فهو حكم الأقلية عبر فترات تاريخية وليست عبر فترة زمنية محدودة, فبقاء نفس الأشخاص في مواقع السلطة لفترات طويلة يسمح لهم بتملك أدوات القوة(29).
2- الاتجاه السيكولوجي:
وهذا الاتجاه تمثله كتابات باريتو(Pareto) الذي اعتبر مبحث النخبة قسما جديدا من أقسام علم الاجتماع ومجالاته, فحاول إقامته مستندا إلي أبعاد سيكولوجية خالصة, فالنخبة لديه ليست نتاجا لقوي اقتصادية كما يذهب ماركس, ولا تستند في قوتها الي قدراتها التنظيمية علي نحو ما ذهب موسكا وميشيلز, ولكنها نتاج لما أطلق عليه' الخصائص الانسانية الثابتة غير التاريخية'(30).
حيث ان باريتو ينطلق مفهومه للنخبة من البناء الفكري لطبيعة الإنسان وبيئة المجتمع, ففكرته عن البشر أنهم غير متساوين سواء في القوة الجسمانية أو في الذكاء او الإرادة وغير ذلك من الخصائص. اما بيئة المجتمع فيتحكم فيها قانون الندرة في الموارد البشرية والمادية ويتم الاستغلال الأمثل لهذه الموارد النادرة عن طريق حكم غير القادرين علي استخدام مواهبهم لتحقيق أعلي معدلات الفاعلية والأداء. فيعتبر حكم الاقلية عند باريتو هو الطريق الأمثل الذي يمكن المجتمع من التغلب والاستفادة من عدم العدالة في توزيع الموارد(31).
وقد عرض باريتو افكاره هذه في كتابه' العقل والمجتمع' وتبعا له تتكون النخبة من الاشخاص البارزين في كافة ميادين النشاط الانساني. وهو بذلك فهم النخبة بصورة أكثر شمولا واتساعا من فهم' موسكا' لها كما راي باريتو وعلي خلاف موسكا أن النخبة ليست نتاجا لمهارات تنظيمية وإنما لصفات إنسانية او عوامل نفسية وتنظيمية.. وفي هذا الإطار قد ميز باريتو بين النخبة التي تشمل اولئك الذين يشغلون المراكز القيادية في مختلف ميادين الحياة وبين غير النخبة. ثم قسم النخبة الي فريقين: الاول: نخبة حاكمةGoverningElite وهي التي تلعب دروا كبيرا في عملية الحكم إما بطريق مباشر أو غير مباشر. الثاني: نخبة غير حاكمةNon-governingElite تضم الاشخاص المرموقين في ميادين لا صلة لها بالعمل السياسي(32). وقد استخدم باريتو مفهوم الرواسبResidues التي هي بمثابة انعكاس للميول الفطرية الإنسانية, وهذه الرواسب صنفها الي مجموعتين الاولي: الرواسب التي تعكس الميل الي التأمل والتفكير. والأخري الرواسب التي تعكس الميل الي البقاء والنظام والاستقرار, حيث قد يسود النوع الاول من الرواسب لدي بعض افراد المجتمع, وهؤلاء هم أهل الذكاء والمكر, بينما يسود النوع الثاني من الرواسب لدي أفراد آخرين وهؤلاء هم أهل القوة والنظام. وتحتاج السياسة الي كلا النوعين من الرواسب, فهي جزئيا مسألة اقناع وجزئيا مسألة قوة. ويتوقف نمط الحكم في أي وقت علي ما إذا كانت الصفوة الحاكمة تضم أفرادا تسود لديهم رواسب النوع الأول أو أفرادا تسود عندهم رواسب النوع الثاني. في الحالة الأولي تحكم الصفوة عن طريق الاقناع والترغيب, انها تبتكر الأيديولوجيا
طبقة اجتماعية من أصحاب المهن الحرة نشأت في القرون الوسطي الأوروبية, سميت كذلك لأنهم كانوا يعيشون إما في المدن أو في( قري صغيرةBourgs) يتمتعون فيها ببعض الامتيازات. لعبت هذه الطبقة دورا هاما في إنجاح الثورة الفرنسية. وتتشكل البرجوازية من مجموع المالكين الفرديين أو الجماعيين لوسائل الإنتاج ومديري المؤسسات التجارية والصناعية والمالية, والمضاربين وكبار الملاك, وبشكل عام أولئك الذين يعيشون أساسا من العوائد الرأسمالية المرتفعة إلي حد ما. ومن الأنظمة الديمقراطية أصبحت البرجوازية تتميز بامتلاكها لوسائل الإنتاج ولسلطة اجتماعية تقوم علي مفهوم النخبة(15).
د-الأرستقراطية:
تعني كلمة الأرستقراطية لغويا حكم الأفضل, ووفقا لأرسطو تمثل الحكم الأكثر رشدا من أشكال الحكم, أي حكم الموهوبين لصالح الشعب. الا ان المعني التاريخي او التطبيق السياسي للأرستقراطية مختلف تماما, فإنها تحمل معاني النخبة والطبقة الحاكمة من حيث محدودية العدد والتميز(16).
هـ- الأوليجاركية:
لغويا تختلف الأرستقراطية والاوليجاركية, إذ تعني الأوليجاركية حكم الأقلية, أما الأرستقراطية فتعني حكم الأفضل. وقد استخدم روبرت داهل عالم الاجتماع الامريكي لفظ' الاوليجاركية' كمرادف للصفوة الحاكمة, أما موسكا فاعتبر الاوليجاركية شكلا من أشكال الطبقة الحاكمة(17).
و- القيادة السياسية:
يستخدم كثيرمن علماء الاجتماع مصطلح القيادة السياسية للدلالة علي مفهوم النخبة الحاكمة. فالقيادة السياسية هي السياسيون مثل رئيس السلطة التنفيذية, والوزراء بالاضافة إلي أعضاء البرلمان. وذلك للتفرقة بينها وبين القيادة الإدارية إو الإداريين الذين يحتلون قمة الهرم الوظيفي في جهاز الخدمة المدنية. ومع أن كلا من مفهومي القيادة والنخبة يتعلقان بجانب التوجيه في العملية السياسية, إلا أنه يجب التمييز بينهما من الناحية التحليلية, فالقيادة في جوهرها ظاهرة فردية والنخبة في أساسها ظاهرة جماعية(18).
ثانيا- تعدد مضامين المفهوم وأبعاده الجديدة:
لقد كان استخدام مفهوم النخبة منذ البداية لدي علماء الاجتماع والسياسة يحمل في داخله التنوع, حيث جاء في موسوعة العلوم الاجتماعية(19) أن المجتمعات الحديثة لا توجد بها نخبة واحدة متكاملة وإنما توجد بها أشكال من النخبة المتخصصة مرتبطة بالنظام الاجتماعي بطرق مختلفة وفقا لتخصص كل منها, لذلك فهي متنوعة فيما بينها فنجد هذه الأشكال للنخبة تتمثل في الرسامين, ورجال الأعمال, ونجوم السينما, والعلماء, حيث كل منهم مؤثر في مجال مختلف وهذه التعددية للنخبة تعكس وتقوي خاصية التعدد في المجتمعات الحديثة. وقد انعكس ذلك في افكار كل من سانت سيمون1807 وأيضا باريتو في عام1902 ومانهايم في عام.1935
فمصطلح النخبة كان يقصد هؤلاء المفكرون به أشكالا مختلفة وفقا للوظائف والمواقع التي يتخذها كل شكل من أشكال النخبة داخل المجتمع حيث إن العامل المهم الذي قد يميزهم عن غيرهم مواهبهم والمهارات والقدرات التي يملكونها فضلا عن الوزن الاجتماعي الذي يحظون به اكثر من غيرهم نتيجة تأثير أنشطتهم داخل المجتمع. وهذه الميزة التي يتمتع بها هؤلاء الافراد ويتركون بها تأثيرهم داخل المجتمع تجعلنا نطلق عليهم وفقا لهذا العامل النخبة الاستراتيجية التي تأخذ علي عاتقها عملية التأثير والتغيير داخل المجتمع(20).
من هنا تتدرج النخب عبر المستويات المختلفة للبناء الاجتماعي السياسي, بدءا من النخبة السياسية الحاكمة ومرورا بما يمكن أن نطلق عليه النخب الوسيطة( كجماعة المثقفين والعلماء علي سبيل المثال لا الحصر) وانتهاء بالنخب المحلية علي مستوي المدن الصغيرة والقري(21). ورغم أن هذا التدرج في تركيب النخب من المركزية إلي المحلية هو التصنيف الأكثر شيوعا. إلا أن ثمة تصنيفات أخري كأن نصنف النخب حسب المجالات او النطاقات التي تظهر فيها, فنقول نخبة اقتصادية, وأخري فنية, وثالثة مهنية, ورابعة سياسية, أو كأن نصنف النخب وفقا لوظائفها أو وفقا لنظم المجتمع المختلفة, أو كأن نصنفها الي نخب سياسية ونخب غير سياسية علي اعتبار أن النخب السياسية هي تلك الجماعات الأكثر تأثيرا في القرارات السياسية الهامة, بينما يكون للنخب غير السياسية تأثير في مجالات الحياة الأخري(22).
1- النخبة.. ما بين السياق السياسي والسياق الاجتماعي:
ينظر إلي النخب السياسة علي أنها تختلف في طبيعة تأثيرها وفقا لما تتمتع به من قوة ونفوذ. لذلك فان أقوي هذه النخب وأشدها نفوذا هي تلك النخبة التي نطلق عليها' النخبة المركزية' والتي تتكون من كبار رجال الدولة في أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية. وتدور في فلك هذه النخبة المركزية نخب سياسية واجتماعية عديدة, ومن النخب السياسية: النخب الحربية التي تتكون من قادة الأحزاب الرئيسية, والأحزاب التي في طور التشكيل, والنخب السياسية في المدن والقري المكونة من الزعماء المحليين وأعضاء المجالس المحلية والقادة المحليين.
ولقد طرأت حديثا عدة تغيرات علي مفهوم النخبة, فلقد اتسع المفهوم اتساعا كبيرا بحيث لم يعد مقصورا علي النخب السياسية فحسب, وإنما أصبح يضم ايضا فئات كثيرة وكبيرة, وجاء ذلك علي أيدي السلوكيين وعلي رأسهم روبرت دال, حيث قد افسحت الصياغات النظرية المحدثة مكانا لمفهوم النخب المتعددة وذلك من منطلق الفهم, فينطلق من فهم تعددي للحياة الاجتماعية والذي يفترض أن القوة موزعة علي كل الجماعات دون أن تحتكرها جماعة واحدة. واتضح مفهوم النخب المتعددة بشكل جلي في دراسة سوزان كيلر المنشورة عام1963 والتي افترضت فيها وجود نخب استراتيجية في ميادين الحياة المختلفة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع المدني, ولكل واحدة من هذه النخب وظيفة في ميدان وجودها. فلقد أصبح بمقدورنا الآن أن نتحدث عن نخب ثقافية ونخب اجتماعية تعمل في نطاق المجتمع المدني, وفي الميدان الثقافي دون أن تصل الي سدة الحكم. فالجماعات التي تحمل لواء الثقافة وتدافع عنها, وتلك التي تقود الصياغات الثقافية الحاكمة وكذلك الجماعات الرائدة في مجال حقوق الإنسان وفي مجال الدفاع عن البيئة أو الأسرة... الخ كل تلك الجماعات تتضافر جهودها مع جهود النخب الاستراتيجية في المجال الاقتصادي والنخب الاستراتيجية في المجال السياسي من أجل أن يعمل المجتمع في نسق فعال. وانطلقت من هنا دراسات النخبة من شرنقة دائرة النفوذ السياسي الي مجال أوسع وأرحب تمثل دائرة النفوذ الاجتماعي والثقافي. وأصبح في إمكاننا دراسة النخب في مجالات متعددة في القرية والمدينة والمؤسسة والتنظيم وفي المجال المدني بشكل عام(23).
ومن هنا نلحظ ان مفهوم النخبة قد يتعدد, الأمر الذي يجعل استخدام اقتراب النخبة لا يقتصر فقط علي دراسة النخبة السياسية في قمة الهرم السياسي وإنما من الممكن استخدام هذا الاقتراب في دراسة النخبة في كل مستويات الهرم السياسي والاجتماعي بدءا من قاعدته الي قمته. وذلك انطلاقا من أن أي تكوين اجتماعي بشري لا يخلو من نخبة او صفوة موجودة فيه تمتلك قدرات ومواصفات وامكانيات خاصة تميزها عن غيرها ومن ثم يظهر تأثيرها في النطاق الاجتماعي التي توجد فيه. قد يكون هذا النطاق قرية: العمدة وأعيان القرية علي سبيل المثال, أو قبيلة شيخ القبيلة ورؤوس العائلات, او في المدينة نفسها.. وهذا التعدد والتنوع للمفهوم نجد له مستويات مختلفة قد تأخذ شكلا أفقيا في تأثيرها وقد تأخذ شكلا رأسيا, أو بمعني آخر أن هناك نخبا لها تأثيراتها ووصايتها عن الحيز الاجتماعي الذي توجد فيه, القرية والقبيلة علي سبيل المثال. وهناك من النخب من تتعدي تأثيراتها الأفقية والرأسية معا وهي النخب التي تستند علي الصيت والشهرة مثل النخبة الفنية والنخبة المتعلقة بالرياضيين وبالأخص الذين يتمتعون بالشهرة, حيث إن شهرة هؤلاء جعلتهم نخبة بالسمعة والصيت اللذين يحظيان به داخل شريحة عريضة من المجتمع وهي في هذه الحالة تتعدي في شهرتها كل الأوساط الاجتماعية العليا والدنيا.
ومن هنا فإن اتساع مفهوم النخبة يساعد في اتساع نطاق الدراسة داخل المجتمع. فيمكن من خلال اقتراب النخبة دراسة ديناميكية المجتمع عن طريق التركيز علي النخبة بالشكل الذي تظهر فيه في التنظيمات السياسية والمجتمعية سواء الرسمي منها أو غير الرسمي. فالمجتمع يضم خليطا من النخب المهنية( قادة النقابات) والمدنية( قادة المؤسسات الطوعية وجماعات الضبط السياسي) والنسوية( النساء النشيطات في مجال الحقل النسوي), والدينية( كبار رجال الدين), والطلابية( قادة الطلاب ورواد الأنشطة الجامعية) وثمة تداخل كبير بين هذه النخب وبعضها البعض وبين النخب السياسية. ومن ثم فإن تصنيفا للنخب لا يكون جامعا مانعا بحال من الأحوال(24), حيث في مقابل الرأي الذي يركز علي النخبة السياسية هناك اتجاه آخر قاده كل من سان سيمون, وكارلهايم, وريمون ارون, ورايت ميلز أكد فيه أصحابه علي وجود اشكال متعددة من النخب تعمل بشكل مشترك( نخبة عسكرية, نخبة اقتصادية, وسياسية) فالمجتمع بحسب هذا الرأي الأخير ينتج ويفرز بالإضافة الي النخب السياسية نخبا أخري. غير أن الأخيرة لا تحظي بممارسة أدوار سياسية كبري. ويعتقد البعض أن الفرق الأساسي بين النخبة السياسية وباقي النخب يكمن في كون الأولي تتمتع بمجموعة من الصلاحيات تجعلها هي المقررة الأولي للمجتمع بحيث تختار له توجهاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية أحيانا بما يجعل سلطاتها واسعة وتأثيرها محدودا. أما النخب الأخري فإنها تمارس نفوذها وسلطتها داخل مجالاتها الخاصة, دون أن تستطيع التأثير علي التوجهات السياسية بشكل قوي وفعال(25).
2- شبكة المفاهيم المرتبطة بمفهوم النخبة:
يهدف الباحث من تحديد ورسم شبكة المفاهيم المرتبطة بمفهوم النخبة إلي تحديد العلاقات فيما بينها وأيهما يكون هو المفهوم الأشمل الذي تتضمن وتتفرع عنه المفاهيم الأخري.
فاذا كان المجتمع هو الحقل البحثي الذي تتوزع فيه شبكة المفاهيم فأي هذه المفاهيم التي يمكن ان يكون هو مفهوم القاعدة التي يمكن من خلالها أن تتفرع عنها مفاهيم أخري وأيهما الذي يمكن أن يأخذ الشكل المضاد للآخر, حيث إن إظهار العلاقة بين المفاهيم وبعضها البعض لا يقتصر علي مناطق التشابه, ولكن يشمل التضاد والتناقض. فعلي قدر ما أن هناك سمات مشتركة علي قدر ما أن هناك سمات تدخل في باب الاختلاف. فمثلا مفهوم النخبة قد يشترك مع مفهوم الجماعة في أنه يشير الي مجموعة من الافراد داخل المجتمع إلا أنه يختلف كل منهما عن الآخر من حيث معايير الكم والكيفية. فمفهوم النخبة يشير إلي عدد محدود ومميز وذي صفات استثنائية.
بمعني آخر ان مفهوم النخبة يمكن استخلاصه من مفهوم الجماعة. فإذا كنا علي سبيل المثال نشير الي مفهوم الجماعة بالجماعة المثقفة المصرية فهذا سوف يشمل كل ما يدخل فيها من المثقفين. أما عندما يتم الاشارة الي النخبة المثقفة, ففي هذه الحالة سوف تحدث عملية انتقاء من داخل الجماعة لأبرز عناصرها المميزة في الصفات والقدرات ونطلق عليها النخبة المثقفة المصرية. نفس الأمر ينطبق علي مفهوم الطبقة حيث في كل طبقة يمكن الحديث عن نخبة مؤثرة. كما أن المفهوم قد يتداخل ويصبح مرادفا لمفاهيم أخري مثل النفوذ, والثروة, والقوة. ومن هنا في هذا الاطار سوف يتم تقسيم المفاهيم التي ترتبط بمفهوم النخبة إلي أربع شرائح.
اولا- المفاهيم التي تتقابل مع المفهوم في منطقة مشتركة: مفهوم الطبقة, ومفهوم الجماعة... الخ.
ثانيا- المفاهيم المرادفة للمفهوم: مفهوم الأقلية, ومفهوم القيادة... الخ.
ثالثا- المفاهيم المضادة: مفهوم الأغلبية, ومفهوم المهمشين... الخ.
رابعا- المفاهيم التي تشكل ركائز لمفهوم النخبة: مفهوم القوة, والمكانة الاجتماعية, والنفوذ, والثروة... الخ.
ثالثا- التعريف النظري لمفهوم النخبة السياسية:
ترجع صعوبة التعريف النظري لكثير من المفاهيم في مجال العلوم الاجتماعية, ومنها مفهوم النخبة الحاكمة الي مصدرين أساسيين: المصدر الأول هو غموض المفهوم حيث تستخدم الكلمات ذاتها للدلالة علي معان مختلفة, ويرجع ذلك الي استخدام المفهوم عبر أزمنة متعددة وفي ظل أطر ثقافية وفكرية واجتماعية مختلفة. والمصدر الثاني هو التباس معاني ودلالة بعض الكلمات حيث تستخدم كلمات مختلفة للدلالة علي ذات المعني.
ويتم التغلب علي مشكلة غموض مفهوم النخبة الحاكمة والتباسه بفحص المصطلحات المستخدمة في الأدبيات كمرادفات لكلمة النخبة الحاكمة وتحليل مكوناتها المختلفة.. ومن استعراض عدد من الكتابات عن الظاهرة موضع البحث يتضح بجلاء تعدد المعاني التي تستخدم نفس التعبير للدلالة عليها. فيعرف هارولد لاسويل' النخبة السياسية' بأنها تشمل الحائزين للقوة في الجسد السياسي وهم القادة والتكوينات الاجتماعية التي أتي منها هؤلاء القادة والذين يتحملون مسئولية تجاهها خلال جيل محدد. فالنخبة السياسية هي قمة طبقة القوة, ويعرفها سي رايت ميلز: تتكون نخبة القوة من رجال في مناصب تسمح لهم بصنع قرارات لها نتائج وآثار كبري, انهم قمة تنظيمات المجتمع الحديث. اما روبرت داهل فيعرف النخبة الحاكمة بأنها جماعة ضبط وتوجيه أقلية من الأفراد تسود دائما تفضيلاتهم بصدد القضايا السياسية الكبري في المجتمع. كما يري جيمس ميلز إطلاق لفظ النخبة علي أي جماعة قيادية صغيرة(26).
ووفقا للتعريفات السابقة نلاحظ أن هناك مسميات مختلفة للدلالة علي ذات المفهوم. ومن ثم سوف نحاول فيما يلي تعريف مفهوم النخبة وفقا للاتجاهات النظرية المختلفة.
1- الاتجاه التنظيمي:
ويمثله موسكا وروبرت ميشلز, ويذهب هذا الاتجاه الي ان النخبة تمتلك القوة لقدراتها التنظيمية والدقة في تقدير مصادر القوة في المجتمع(27). حيث يري موسكا أن وضع النخبةElitePosition هو نتيجة حيازة اعضائها شيئا ما يقدره المجتمع: ثروة أو مكانة دينة... الخ. الا ان الفضل في قوة وسيطرة النخبة يعود بالدرجة الاولي الي ما لديها من قدرات تنظيمية كبيرة, اي الي قدرتها علي التماسك في مواجهة القوي الاخري في المجتمع. ويري موسكا ان صغر حجم الصفوة وبساطة وسائل الاتصال المتوافرة لديها يمنحانها هذه المقدرة التنظيمية العالية. وهي, لهذا تستطيع وضع السياسات واتخاذ القرارات بسرعة, والاستجابة الفورية للظروف المتغيرة والظهور بمظهر التضامن الكامل في أقوالها وأفعالها, أما الأغلبية فهي غير منظمة وتضم أفرادا ليس لهم هدف مشترك او نظام اتصال معروف او سياسات متفق عليها(28).
وقد طور' ميشلز' من الاتجاه التنظيمي الذي يتفق مع' موسكا' علي ان جوهر قوة النخبة يكمن في قدرتها العالية علي التماسك والتنظيم ولكنه اختلف معه حول بعض القضايا, من أهمها مجال استخدام النخبة. فبينما استخدم' موسكا' مفهوم النخبة بالمعني الواسع كظاهرة مفسرة للتاريخ, اهتم' ميشلز' بدراسة خصائص وتشكيل النخب في التنظيمات الكبيرة الحجم مثل الاحزاب والنقابات. فيري' ميشلز' ان كل التنظيمات الاجتماعية تتطلب وجود نخبة او قيادة لعدة أسباب, منها أسباب فنية وهي تقسيم العمل وتعقد الأعمال الإدارية مما يستلزم الحاجة الي المعرفة المتخصصة, وأسباب بيئية مثل كبر حجم التنظيم وصعوبة الاتصال بين الرؤساء والمرؤوسين والحاجة الي سرعة اتخاذ القرار. وأسباب نفسية وهي حاجة المرؤوسين الي زعامة قوية وثابتة وقادرة علي قيادتهم. وتدفع هذه الأسباب مجتمعة الي تركز القوة داخل التنظيمات في أيدي عدد من القادة, وتؤدي حاجة المرؤوسين إليهم الي اعتقادهم بأنهم يمتلكون صفات ذاتية استثنائية مما يقوي ايضا من سلطتهم داخل التنظيم. كما يميز استخدام' ميشلز' لمفهوم النخبة تركيزه علي أهمية البعد الزمني, فالنخبة ليست أقلية من الشعب تحكم في تنظيم كبير ولكن اقلية لا تتغير عبر الزمن وهو ما أطلق عليه' القانون الحديدي للأوليجاركية' فهو حكم الأقلية عبر فترات تاريخية وليست عبر فترة زمنية محدودة, فبقاء نفس الأشخاص في مواقع السلطة لفترات طويلة يسمح لهم بتملك أدوات القوة(29).
2- الاتجاه السيكولوجي:
وهذا الاتجاه تمثله كتابات باريتو(Pareto) الذي اعتبر مبحث النخبة قسما جديدا من أقسام علم الاجتماع ومجالاته, فحاول إقامته مستندا إلي أبعاد سيكولوجية خالصة, فالنخبة لديه ليست نتاجا لقوي اقتصادية كما يذهب ماركس, ولا تستند في قوتها الي قدراتها التنظيمية علي نحو ما ذهب موسكا وميشيلز, ولكنها نتاج لما أطلق عليه' الخصائص الانسانية الثابتة غير التاريخية'(30).
حيث ان باريتو ينطلق مفهومه للنخبة من البناء الفكري لطبيعة الإنسان وبيئة المجتمع, ففكرته عن البشر أنهم غير متساوين سواء في القوة الجسمانية أو في الذكاء او الإرادة وغير ذلك من الخصائص. اما بيئة المجتمع فيتحكم فيها قانون الندرة في الموارد البشرية والمادية ويتم الاستغلال الأمثل لهذه الموارد النادرة عن طريق حكم غير القادرين علي استخدام مواهبهم لتحقيق أعلي معدلات الفاعلية والأداء. فيعتبر حكم الاقلية عند باريتو هو الطريق الأمثل الذي يمكن المجتمع من التغلب والاستفادة من عدم العدالة في توزيع الموارد(31).
وقد عرض باريتو افكاره هذه في كتابه' العقل والمجتمع' وتبعا له تتكون النخبة من الاشخاص البارزين في كافة ميادين النشاط الانساني. وهو بذلك فهم النخبة بصورة أكثر شمولا واتساعا من فهم' موسكا' لها كما راي باريتو وعلي خلاف موسكا أن النخبة ليست نتاجا لمهارات تنظيمية وإنما لصفات إنسانية او عوامل نفسية وتنظيمية.. وفي هذا الإطار قد ميز باريتو بين النخبة التي تشمل اولئك الذين يشغلون المراكز القيادية في مختلف ميادين الحياة وبين غير النخبة. ثم قسم النخبة الي فريقين: الاول: نخبة حاكمةGoverningElite وهي التي تلعب دروا كبيرا في عملية الحكم إما بطريق مباشر أو غير مباشر. الثاني: نخبة غير حاكمةNon-governingElite تضم الاشخاص المرموقين في ميادين لا صلة لها بالعمل السياسي(32). وقد استخدم باريتو مفهوم الرواسبResidues التي هي بمثابة انعكاس للميول الفطرية الإنسانية, وهذه الرواسب صنفها الي مجموعتين الاولي: الرواسب التي تعكس الميل الي التأمل والتفكير. والأخري الرواسب التي تعكس الميل الي البقاء والنظام والاستقرار, حيث قد يسود النوع الاول من الرواسب لدي بعض افراد المجتمع, وهؤلاء هم أهل الذكاء والمكر, بينما يسود النوع الثاني من الرواسب لدي أفراد آخرين وهؤلاء هم أهل القوة والنظام. وتحتاج السياسة الي كلا النوعين من الرواسب, فهي جزئيا مسألة اقناع وجزئيا مسألة قوة. ويتوقف نمط الحكم في أي وقت علي ما إذا كانت الصفوة الحاكمة تضم أفرادا تسود لديهم رواسب النوع الأول أو أفرادا تسود عندهم رواسب النوع الثاني. في الحالة الأولي تحكم الصفوة عن طريق الاقناع والترغيب, انها تبتكر الأيديولوجيا
يحي سباع- الإدارة العامة
- عدد المساهمات : 339
تاريخ التسجيل : 11/06/2016
مواضيع مماثلة
» نظرية العلاقات الدولية بين النظرية والواقع
» تحميل ملخص في المدخل الى العلوم القانونية و الادارية, القانون و نظرية الحق
» موسوعة السياسية
» مباديء العلوم السياسية
» www.droit-umc.co.cc موقع كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة قسنطينة
» تحميل ملخص في المدخل الى العلوم القانونية و الادارية, القانون و نظرية الحق
» موسوعة السياسية
» مباديء العلوم السياسية
» www.droit-umc.co.cc موقع كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة قسنطينة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى