تاونسيت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كسب رضا الله عز وجل

اذهب الى الأسفل

كسب رضا الله عز وجل Empty كسب رضا الله عز وجل

مُساهمة من طرف mouradmerzougui السبت يونيو 18, 2016 2:33 am

" الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عيون المشتاقين "[1].

وكسب رضا الله تعالى يأتي من خلال عبادته بالطاعة والخضوع والتذلل، والقيام بكل عمل صالح ابتغاء وجه الله وطلباً لمرضاته وطاعته، فعلامة محبة الله إيثار طاعته، ومتابعة رسوله، فالعبادة كلها موافقة لأمر الله، ولما يحبُّه ويرضاه، وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عامل سواه.

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2].

" إن من الحقائق التي يُقرها الإسلام أن ما يقوم به الإنسان من طاعة الله تعالى والخضوع له والانجذاب إلى منهجه ونظامه هو الملائم لفطرة الإنسان السوّية، وهو الوقاية من الانحراف عن المنهج وعن الانجراف إلى الباطل "[2]. كما يُفهم ذلك من قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ  [الروم: 30] فالله تعالى خَلق الإنسان وجعله مفطورًا على معرفة ربه وعبادته، وإن هذه الفطرة توصل الإنسان إلى المعرفة الإجمالية بخالقه وتشعره بصلته به وإنه إلهه وخالقه، والإنسان بطبعه قد فُطر على أمور وغرائز تُعد من دعائم حياته المادية والمعنوية مثل حب الحياة، وحب المال، والولد، وحب الملذات، وحب النساء، وحب الاختلاط مع بني ه، وغير ذلك. غير أن الإسلام وضع ضوابط لهذه الغرائز حيث لا يتجاوز المرء مداه في الأخذ منها فينغمس فيها، من خلال الإيمان بالله تعالى، فالإيمان يجعل الإنسان صاحب مبدأ يسعى لتحقيقه، فتكون حياته تحمل معنىً سامياً نبيلاً، يدفعه إلى العمل والجهاد في سبيله وبذلك يبتعد عن حياة الأنانية الضيقة، وتكون حياته لصالح مجتمعه وأمته التي يعيش فيها، فالإنسان عندما يعيش لنفسه تصبح أيامه معدودة وغاياته محدودة، أما عندما يعيش للفكرة التي يحملها فإن الحياة تبدو طويلة جميلة تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتها لوجه الأرض، وبذلك يتضاعف شعوره بأيامه وساعات ولحظاته؛ لأن من طبيعة العبادة وأهدافها، إخضاع حياتنا اليومية لإرادة الله وحبّه ومناجاته، وإخضاع أموالنا وكسبنا وحياتنا الاقتصادية لتنظيم الله سبحانه وتعالى وتشريعه، فالله تعالى أمرنا في محكم تنزيله العظيم بالاقتصاد في كل شيء عبادةً وقولاً وعملاً؛ لأن الدين الإسلامي دين الوسطية والاعتدال. وقد تميزت الأمة الإسلامية بخاصية منفردة لم تكن لأمة من الأمم السابقة وهي ميزة الوسطية التي جعلها الله سبحانه وتعالى خصيصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 134]."وفيه [خَيْر الأمور أوْسَاطُها] كُلُّ خَصلَة مَحْمُودَة فَلَها طَرَفَان مَذْمُومان فإنَّ السَّخاءَ وَسَطٌ بَيْن البُخْل والتَّبْذير والشَّجاعَة وَسَطٌ بَيْن الجُبن والتَّهَوُّر والإنسانُ مأمورٌ أنْ يَتَجَنَّبَ كُلَّ وَصفٍ مَذْموم وَتَجَنُّبُه بالتَّعَرِّي منه والبُعدِ عَنْه فكُلَّما ازْدَادَ مِنه بُعْداً ازْدادَ مِنْهُ تَعَرِّياً "[3].

وهكذا نرى أن الاحتفاظ بألفاظ العبادة ومعانيها في الذهن والقلب دون تنفيذ لأوامرها ومقتضياتها، ودون إخضاع الحياة والسلوك لها، لا يعطي الإنسان إيماناً حقيقياً ينجيه من عذاب الله سبحانه وتعالى، بل لا يدل فعلاً على صحة الاعتقاد بالله واليوم الآخر. فالعبادة نظام تربوي للمسلم، ومدرسة تُنظم حياتنا تنظيماً يحمل المسلم على تحقيق أفكاره ومثله العليا في الحياة، يصل المسلم دائماً بآداب الشريعة، ويعلق قلبه بدستورها وبمرضاة ربه سبحانه وتعالى، ويجعل حياته ذات هدفٍ ومغزى، عظيمة الفائدة، كبيرة المردود. ذلك أن الإنسان مكون من مادة وروح، فإذا كان العنصر الجسدي فيه يجد حاجته في العناصر المادية في الكون من مأكل ومشرب وملبس وتناسل وغير ذلك، فإن العنصر الروحي لا يجد إشباعاً لحاجته إلا بالقرب من الله تعالى إيماناً به وإتباعاً له، حتى يشعر بمعيته وذلك لا يتحقق إلا بالعبادة سواء في الضراء أو في السراء، فالمسلم يتبع أوامر الله تعالى، ويتجنب ما نهاه عنه، طاعةً لعظمته، وكسباً لرضاه. وحتى ينشئ المسلم نشأة اقتصادية إسلامية سليمة، تقود إلى سلوكاقتصادي رشيد، عليه الاستشعار الإيماني بزينة الالتزام بشرع الله سبحانه وتعالى وهذا من مسائل الإيمانيات التي فيها تحقيق رضا الله سبحانه وتعالى . فعقيدته تدفعه إلى العمل الجاد؛ لأنه يعلم أنه مأمور بذلك دينًا وأنه مثاب على عمل جَّل ذلك العمل أم صغر. وإنَّ إِفراد الله تعالى بالتوجه إليه في جميع الأمور يُحقق للإنسان الحرية الحقيقية التي يسعى إليها فلا يكون إلا عبدًا لله تعالى. فتصغر بذلك في عينه جميع المعبودات من دون الله، وتصغر العبودية للمادة والانقياد للشهوات؛ لأن الدين الإسلامي أسقط عصر المادة، كما أسقط عصر الروحانية البحتة، ووازن ما بين المادة والروح بوضعهما في الميزان الإلهي.

[1]: ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر بن أيوب، ( ت715هـ/ 1350م)، مدارج السالكين، ضبطه وصححه عبد الغني محمد علي الفاسي، بيروت، دار الكتب العلمية، [1- 3]، 2، 1425هـ/ 2004م، 129.
[2]: محمود، علي عبد الحليم، التربية الاقتصادية الإسلامية، 180.
[3]: ابن الأثير، النهابة قي غريب الأثر، 5، حرف الواو مع السين، 399.

mouradmerzougui
الإدارة العامة
الإدارة العامة

عدد المساهمات : 953
تاريخ التسجيل : 11/06/2016

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى