تاونسيت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بحث حول نشأة الدساتير الجزائرية

اذهب الى الأسفل

بحث حول نشأة الدساتير الجزائرية Empty بحث حول نشأة الدساتير الجزائرية

مُساهمة من طرف يحي سباع الخميس يونيو 23, 2016 2:25 am

أساليب نشأة الدساتير، مع تبيان طرق وضع الدساتير الجزائرية

مقدمة


تتنوع الأساليب التي تنشأ بها الدساتير بتنوع أنظمة الحكم في العالم.
وذلك لأن كل دستور هو نتاج للأوضاع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية
والسياسية المحيطة به، وعلى وجه الخصوص مستوى التطور الذي بلغه النظام
السياسي وتبعا لدرجة التطور الديمقراطي في كل دولة من هذه الدول، وكذا
لتقاليدها وخبراتها السياسية ، وهى تتطور بتطور أنظمة الحكم في كل دولة من
الدول، ففي ظل الأنظمة السياسية القديمة القائمة على الحكم المطلق حيث لا
حدود ولا قيود على سلطات الحكام لم تنشأ الدساتير المكتوبة، لأن هذه
الدساتير ما نشأت إلا لتقييد سلطات الحكام والحد منها، ولكن مع انتشار
الأفكار الديمقراطية، والرغبة في الحد من الحكم المطلق، ظهرت الحاجة إلى
تدوين الدساتير، من أجل تحديد الواجبات والحقوق لكل من الحكام والمحكومين.
بإتباع طرق تختلف باختلاف الدولة ودرجة النضج السياسي لدى الرأي العام
فيها. وقد يلعب الأسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دوراً هاما في كشف المذهب
السياسي الذي ينطوي عليه. فما هي هذه الأساليب المتبعة التي تنشأ بواسطتها
الدساتير؟ .. هذا السؤال يطرح مبحثا مهما للغاية، للإجابة عليه يتطلع هذا
البحث إلى تقديم إجابات محددة وبسيطة، استنادا بالدرجة الأولى ببعض المراجع
العربية المتوفرة عن هذا الموضوع ومن خلال الإرشادات داخل الحصة من طرف
الأستاذة. وبالنسبة لعناصر البحث فقد قمنا بتقسيمها إلى أربع مباحث موضحة
في خطة البحث..

خطة البحث

§ المبحث الأول: ظهور الدساتير.
ü المطلب الأول: تاريخ ومكان ظهور أول دستور.
ü المطلب الثاني: أسباب ودوافع وضع الدساتير.

§ المبحث الثاني: الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير.
ü المطلب الأول: أسلوب المنحة.
ü المطلب الثاني: أسلوب العقد أو الاتفاق.

§ المبحث الثالث: الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير.
ü المطلب الأول: أسلوب الجمعية التأسيسية.
ü المطلب الثاني: أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء الدستوري.

§ المبحث الرابع: طرق وضع الدساتير الجزائرية.
ü المطلب الأول: دستـور 10 سبتمبر 1963.
ü المطلب الثاني: دستـور 22 نوفمبر 1976.
ü المطلب الثالث: دستـور 23 فيفري 1989.
ü المطلب الرابع: دستـور 28 نوفمبر 1996.

المبحث الأول
ظهور الدساتير

تنشأ الدساتير بأساليب مختلفة ومتعددة، وقبل التعرض لأساليب نشأتها
يتوجب علينا بحث تاريخ، مكان وأسباب ظهورها والتطور الذي عرفته بفعل تزايد
مهام الدولة.

1. تاريخ ومكان ظهور أول دستور:
إذا رجعنا
لتاريخ العالم الإسلامي نجد أن أول دستور عرف بالمفهوم الفني الحديث في عهد
الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف "بالصحيفة"، تلك الوثيقة التي أعدها رسول
الإسلام لتنظيم أحوال دولة المدينة بعد أن انتقل إليها من مكة.

البعض يرى بأن الحركة الدستورية أو أول بداية لظهور الدستور تعود إلى القرن
الثالث عشر وبالتحديد سنة 1215 عندما منح الملك جان ستير الميثاق الأعظم
للنبلاء الانجليز الثائرين عليه. والبعض الآخر يؤكدون بأن تاريخ ظهور
الحركة الدستورية الأولى بدأت تظهر معالمها في القرن السابع عشر عندما وضع
الجناح المؤيد لكرومويل في المجلس العسكري دستورا، وان كان البرلمان
وكرومويل ذاته لم يساندا ذلك المشروع فبقي كذلك بحيث لم يعرض على الشعب،
وان كانت بعض نصوصه اعتمدت فيما بعد لتنظيم السلطة وعادت فيما بعد مصدرا
لتنظيم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية(1).
أما أول الدساتير
المكتوبة ظهرت في المستعمرات البريطانية بأمريكا الشمالية كرد فعل للانفصال
عن إنكلترا، فأول دستور عرفه العالم الغربي في ولاية فرجينيا دستور جوان
1776، وقد سابقه الإعلان للحقوق الذي يعتبر القاعدة الأساسية لأي حكومة في
فرجينيا، ثم تلى ذلك في عام 1781 صدور دستور الاتحاد التعاهدي، وفي عام
1787 صدر الدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية. فالمثل الأمريكي
كان سببا لاقتداء العديد من الدول به كفرنسا مثلا، عرفت أول دستور مكتوب
عام 1791، وقد سبقها قبل ذلك إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صدقت عليه
الجمعية الوطنية في أوت 1789. فقد أصبحت الدساتير المكتوبة من خصائص الدول
الحديثة، نتيجة لرواج الأفكار الديمقراطية والحركات السياسية التي نادت
بمبدأ السيادة الشعبية، وبلورة فكرة العقد الاجتماعي، ومبدأ الفصل بين
السلطات...أمام هذه المزايا العديدة انتقات فكرة الدساتير المكتوبة الى
العديد من الدول الأوروبية، فصدر دستور السويد سنة 1809، والنرويج وبلجيكا
سنة 1831، وعلى إثر الحرب العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة
كنتيجة منطقية للحد من التعسف في استعمال السلطة فصدر دستور روسيا يوم 10
يوليو 1918، فدستور تركيا 1924ودستور النمسا 1 أكتوبر 1920 (1).

2. أسباب ودوافع وضع الدساتير:
إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات الأوربية وسيطرة البرجوازية
على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحسار الاستعمار كانت من الأسباب
والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم، وكان غرض شعوب تلك الأنظمة إثبات
سيادتها الداخلية واستقلاليتها، وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع
دستور يبين السلطات وعلاقاتها في الدولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين
والدول الأخرى. وأن هذه الدول بوضع الدستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين
السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي،
ولها الحق في الانضمام للمجتمع الدولي(2). وكما أشرنا سابقا على إثر الحرب
العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية، بحيث حددت
اختصاصات الحكام ومدى السلطات التي تحت أيديهم والواجبات المفروضة عليهم
حتى لا تتكرر نفس التجربة (التعسف في استعمال السلطة)، كما أن حركة التحرر،
ساهمت بشكل فعال في انتشار هذه الظاهرة، بالأخص إذا علمنا أن أغلب هذه
الدول تفتقر إلى رصيد دستوري، كانعدام حياة دستورية سابقة..أو عدم وجود
أعراف سابقة..كل هذا كان سببا مباشرا لوضع دستور مكتوب الى جانب ضرورة
اقتناء وتدوين وثيقة دستورية للإنضمام في المجتمع الدولي مثل غينيا قد اعلن
عن استقلالها يوم 02 أكتوبر 1958، وفي ذلك الوقت كانت الجمعية العامة
للأمم المتحدة منعقدة، ولكي يضمن الرئيس سيكوتوري الحصول على الموافقة،
أصدر دستور في 10 نوفمبر 1958، واعلنت الأمم المتحدة عن قبولها كعضو في 12
نوفمبر 1958. وفي الكويت دستور 1962 إذ كانت قد قبلت في جامعة الدول
العربية في 30 يوليو 1961 بمجرد اعلان استقلالها في 19 يونيو 1961، فإنها
لم تقبل في المم المتحدة ولم تنظم الى المجتمع الدولي إلا في 14 مايو 1963
أي بعد صدور دستورها في 11 نوفمبر 1962، وإذا كانت حركة الدساتير المكتوبة
قد سادت الدول العربية، إلا أن بعض دول الخليج تفتقر إلى دستور مكتوب ولا
يوجد فيها دستور مدون على نسق الدساتير المعاصرة(3).

المبحث الثاني
الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير

يمكن تعريف الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير بأنها الأساليب
التي لا يستأثر الشعب وحده في وضعها، وإنما الذي يضعها هو الحاكم وحده
(منحة) أو بالاشتراك مع الأمة أو الشعب (عقد). وهما أسلوبان تزامنا مع تطور
الملكية من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة(1).

1. أسلوب المنحة:
يصدر الدستور في شكل منحة إذا تنازل الحاكم بإرادته المنفردة عن بعض
سلطاته للشعب، أو أن يحددها ببعض القيود، بواسطة قواعد قانونية يمن بها على
شعبه في صورة دستور. والأصل في هذه الدساتير أن الحاكم هو مصدر السلطات،
ومنبع الحقوق والحريات، يجمع بين يديه الوظائف والاختصاصات، ومن بينها
الاختصاص التأسيسي. غير أن انتشار الأفكار الديمقراطية، ونضج وعي الشعوب
بحقوقها، والدعوة إلى الحد من من السلطان المطلق، دفع الحكام إلى منح
شعوبهم دساتير، تنازلوا بموجبها عن جزء من سيادتهم، ليظهروا بمظهر
المتفضلين على شعوبهم، قبل أن تجبرهم الأوضاع على التنازل عن جٌل سيادتهم،
وبالتالي يفقدون هيبتهم وكرامتهم.
وهكذا؛ وعلى الرغم من أن الشكل
الخارجي للدستور الصادر بطريق المنحة يظهر على أنه عمل قانوني صادر
بالإرادة المنفردة للحاكم، فإن الدستور لم يكن ليصدر إلا نتيجة لضغط الشعوب
على حكامها، ووعيها بحقوقها، وخوف الحاكم من ثورتها وتمردها. ويسجل لنا
التاريخ أمثلة كثيرة لدساتير صدرت بطريق المنحة، ومنها الدستور الفرنسي
لعام 1814 الذي أصدره لويس الثامن عشر للأمة الفرنسية ، وجدير بالذكر إن
معظم دساتير الولايات الألمانية في القرن التاسع عشر صدرت بهذه الطريقة.
ومن أمثلة الدساتير الممنوحة كذلك: الدستور الإيطالي لعام 1848 والدستور
الياباني لعام 1889، ودستور روسيا لسنة 1906، وإمارة موناكو لعام 1911،
وكذلك الدستور المصري لعام 1923، ودستور إثيوبيا لعام 1931، والقانون
الأساسي لشرقي الأردن لعام 1926، ودستور الإمارات العربية المتحدة لسنة
1971 وكذلك الدستور القطري لسنة 1971(2).
ونتيجة لصدور الدستور
بطريقة المنحة يثور تساؤل هام، حول قدرة الحاكم الذي منح الدستور هل له
الحق في سحبه أو إلغائه ؟ وللإجابة على هذا السؤال انقسم الفقه إلى اتجاهين
:-
* يذهب أولهما إلى قدرة الحاكم على استرداد دستوره طالما كان
هذا الدستور قد صدر بإرادته المنفردة، عل شكل منحة، لأن من يملك المنح يملك
الاسترداد. يساند هذا الرأي أمثلة حدثت فعلاً، حيث أصدر شارل العاشر

ملك فرنسا قراراً ملكياً عام 1830 بإلغاء دستور عام 1814، تحت حجة أن
المنحة أو الهبة في الحقوق العامة تشبه الهبة في الحقوق الخاصة، وكما يحق
للواهب الرجوع عن الهبة. يحق للملك الرجوع عن دستوره، إذا صدر عن الشعب
جحود للمنحة ونكران للجميل.
*ويذكر ثانيهما على الحاكم حق استرداد
دستوره، ما دام هذا الدستور قد صدر، حيث تترتب عليه حقوق للأمة، فلا يحق
للحاكم - عندها - المساس به إلا بالاستناد إلى الطرق القانونية المقررة
بالدستور نفسه، حتى التسليم بأن صدور الدستور كان وليداً للإرادة المنفرد
للحاكم، لأن هذه الإرادة تصلح أن تكون مصدراً للالتزامات، متى ما صادفت
قبولاً من ذوي الشأن. وجدير بالإشارة أن الدستور الصادر بطريقة المنحة يدرس
على اعتبار أنه مرحلة تاريخية، تمثلت بالانتقال من الملكيات المطلقة إلى
الملكيات المقيدة، وقد انقضت وانتهت هذه المرحلة منذ زمن، نتيجة لزوال
الحكم الفردي، واستعادة معظم الشعوب لكامل حقوقها في السيادة والسلطة. ومع
ذلك، فما زالت بعض الدساتير تعتمد على الإرادة المنفردة للحاكم، في نشأتها
وفي إصدارها، منذ تسلمه للسلطة وحتى مماته، وإن أمكن استبداله
بغيره...وقائمة الدساتير التي صدرت بهذه الطريقة كبيرة. ولنا بعالمنا
العربي أمثلة متعددة، حتى أن بعضها لا يزال نافذاً إلى يومنا هذا(1).

2. أسلوب العقد أو الاتفاق:
ينشأ الدستور وفق طريقة العقد بناء على اتفاق بين الحاكم من جهة والشعب
من جهة أخرى. أي لا تنفرد إرادة الحاكم بوضع الدستور كما هو الحال في صدور
الدستور على شكل منحة، وإنما يصدر الدستور تبعاً لهذه الطريقة بتوافق
إرادتي كل من الحاكم والشعب. ويترتب على ذلك ألا يكون بمقدور أي من طرفي
العقد الانفراد بإلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله. وعلى هذا النحو تٌمثل
طريقة العقد أسلوباً متقدماً على طريقة المنحة، لأن الشعب يشترك مع الحاكم
في وضع الدستور في طريقة العقد، بينما ينفرد الحاكم بوضع الدستور في طريقة
المنحة. وبناء على ذلك؛ يعد أسلوب العقد مرحلة انتقال باتجاه الأساليب
الديمقراطية. خاصة وأن ظهور هذا الأسلوب - لأول مرة - كان نتيجة لنشوب
ثورات، في كل من انجلترا وفرنسا. ففي إنجلترا ثار الأشراف ضد الملك جون،
فأجبروه على توقيع العهد الأعظم في عام 1215، الذي يتعبر مصدراً أساسياُ
للحقوق والحريات. وبنفس الطريقة؛ تم وضع وثيقة الحقوق لعام1689 بعد اندلاع
ثورة ضد الملك جيمس الثاني، حيث اجتمع ممثلون عن الشعب، ووضعوا هذه
الوثيقة، التي قيدت سلطات الملك، وكفلت الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.
وتمت دعوة الأمير وليم الأورنجي لتولي العرش، على أساس الالتزام بالقيود
الواردة بالوثيقة. وتشكل هاتان الوثيقتان جزءاً هاماً من الدستور الإنجليزي الذي يتكون معظمه من القواعد العرفية.
أما في فرنسا فقدر صدر أول دستور فيها بطريقة العقد إثر ثورة سنة 1830
ضد الملك شارل العاشر، ووضع مشروع دستور جديد من قبل جمعية منتخبة من قبل
الشعب، ومن ثم دعوة الأمير لويس فيليب لتولي العرش، إذا قبل بالشروط
الواردة بالدستور الجديد. وبعد قبول الأمير بهذه الشروط نودي به ملكاً على
فرنسا.
ويشار كذلك؛ إلى أن جميع الدساتير التي صدرت بطريقة العقد
كانت من عمل جمعيات منتخبة، والأمثلة على هذا النوع من الدساتير عديدة نذكر
منها الميثاق الأعظم في انجلتلرا سنة 1215 الذي هو جزء من دستور انجلترا،
وكذلك قانون الحقوق الصادر سنة 1688 في نفس البلد، ودساتير كل من اليونان
لسنة1844، ورومانيا لسنة 1864، وبلغاريا لسنة 1979، والقانون الأساسي
العراقي لعام 1925، والدستورين الكويتي لسنة 1962 والبحريني لسنة 1973. حيث
وضعت المجالس التشريعية في هذه الدول الدساتير المذكورة، ثم دعت أمراء
أجانب لتولي العرش على أساس الالتزام بأحكامها. وعلى الرغم من أن أسلوب
العقد يعد أسلوبا تقدمياً أكثر من أسلوب المنحة، فإنه لا يعد أسلوبا
ديمقراطيا خالصاً، لأنه يضع إرادة الحاكم على قدم المساواة مع إرادة الشعب،
بينما تفترض الديمقراطية أن يكون الشعب هو صاحب السيادة، لا يشاركه فيها
ملك ولا أمير.

المبحث الثالث
الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير

يمكن تعريف الأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير، بأنها الأساليب التي
تستأثر الأمة وحدها في وضعها دون مشاركة الحاكم ملكا كان أو أميرا أو
رئيسا للجمهورية. وبغض النظر عن التفصيلات والإجراءات المتبعة في وضع
الدساتير داخل إطار هذا المفهوم الديمقراطي في وضع الدساتير، يمكن جمع هذه
الأساليب في أسلوبين رئيسيين هما الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء
الشعبي(1).

1. أسلوب الجمعية التأسيسية:
تعد نشأة
الدساتير وفقاً لهذا الأسلوب منطلقة من مبدأ السيادة الشعبية، كما ينظر
إليه أيضاً على أنه من الأساليب الديمقراطية لخلق الدساتير حيث يمثل مرحلة
أكثر تقدماً في نضال الشعوب ضد الحاكم المطلق.
ويصدر الدستور وفقاً
لأسلوب الجمعية التأسيسية من مجلس أو جمعية تنتخب بصفة خاصة من الشعب
ونيابة عنه، يعهد إليها بمهام وضع وإصدار دستور جديد يصبح واجب النفاذ.
ولذا فإن هذه الجمعية التأسيسية أو كما يطلق عليها البعض اسم الجمعية
النيابية التأسيسية هي في الواقع تجمع كل السلطات في الدولة فهي سلطة
تأسيسية تشريعية وتنفيذية. وهذا الأسلوب في وضع الدساتير هو الذي تم إتباعه
في وضع معظم الدساتير التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى والحرب
العالمية الثانية. وكأمثلة تاريخية على أسلوب الجمعية التأسيسية نذكر
دساتير الولايات المتحدة الأمريكية عقب استقلالها من إنجلترا عام 1776م كما
اتخذته أمريكا أسلوباً في وضع وإقرار دستورها الاتحادي لعام 1787م وقد
انتشرت هذه الطريقة فيما بعد فاعتمد رجال الثورة الفرنسية هذا الأسلوب من
ذلك دستور فرنسا لعام 1791م، وعام 1848م، وعام 1875م، وقد انتهج هذه
الطريقة كل من اليابان عام 1947م، والدستور الإيطالي عام 1947م، والدستور
التشيكوسلوفاكي عام 1948م، والدستور الروماني عام 1948م، والدستور الهندي
1949م، والدستور السوري عام 1950 وتعد هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من
الطريقتين السابقتين، إذ أن الدستور يقوم بوضعه في هذه الحالة جمعية منتخبة
من الشعب.
كما أن هذه الطريقة تحتوي على العديد من المخاطر يمكن تلخيصها كالآتي:
1. احتمال انحراف الجمعية التأسيسية عن غرضها المنشود، بتفوق السلطة
التشريعية على باقي السلطات الأخرى، لكون أغلب الأعضاء فيها تراودهم فكرة
الترشح للمرة الثانية.
2. الاعتماد على فكرة الجمعية التأسيسية
يحتمل فيها استحواذ هذه الأخيرة على جميع الاختصاصات، مما قد يخلق عجزا
وانسدادا أثناء معالجة المشاكل الشائكة وقت الأزمات.
3. احتمال رفض
الشعب للجمعية التأسيسية بعد إقرارها للدستور، وهذا فعلا ما حدث في دستور
الجمعية الفرنسية الرابعة سنة 1946م، مما بدد الطاقات والمجهودات(1).

2. أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء الدستوري:
ينشأ الدستور وفقاً لهذا الأسلوب من خلال الإرادة الشعبية الحرة، إذ
يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية، في هذه
الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب الذي يوكل الأمر إلى جمعية منتخبة
تكون مهمتها وضع مشروع الدستور أو إلى لجنة معينة من قبل الحكومة أو
البرلمان إن وجد، ومن أجل أن يكون استفتاء دستوري يجب أن تكوّن أولا هيئة
أو لجنة تقوم بتحضير مشروع الدستور وعرضه على الشعب لاستفتائه فيه، لأخذ
رأي الشعب في مشروع الدستور ، ولكن هذا المشروع لا تصبح له قيمة قانونية
إلا بعد عرضه على الشعب واستفتائه فيه وموافقته عليه. علماً بأنه ليس بلازم
أن تقوم بوضع الدستور -المراد الاستفتاء عليه- جميعة تأسيسية نيابية،
وإنما يفترض أن تكون هناك هيئة أو جمعية أو لجنة أو شخصية، قد أسند إليها
وقامت بالفعل بإعداد مشروع الدستور، كما حدث بالنسبة لبعض دساتير العالم.
ولا يختلف الأمر إذا كانت هذه الجمعية أو اللجنة التحضيرية للدستور منتخبة
أو معينة، إذ تقتصر مهمتها على مجرد تحضير الدستور فحسب تمهيداً لعرضه على
الشعب للاستفتاء عليه بالموافقة أو بالرفض، ويعتبر تاريخ إعلان نتيجة
الاستفتاء هو الفصل في بدء سريان الدستور والعمل بأحكامه.
وإذا كان
بعض الفقهاء قد ذهب إلى عدم اعتبار أسلوب الاستفتاء الشعبي أسلوبا متميزا
عن أسلوب الجمعية التأسيسية أي عدم التفرقة بين الجمعية التأسيسية
والاستفتاء السياسي على أساس طريقة واحدة، بل يعتبرون الاستفتاء مكملا
للجمعية التأسيسية، فهو حلقة له ويستدلون بالعديد من القرائن التاريخية،
فقد يوضع المشروع الدستوري بواسطة جمعية تأسيسية، مثال ذلك دستور 1946، وقد
يوضع عن طريق لجنة حكومية، ومثال ذلك الدستور المصري الصادر سنة 1956، أو
دستور الجمهورية الخامسة 1958.
وأخيرا ما يمكن قوله في هذه المسألة
هو وجود اختلاف بين الجمعية التأسيسية والاستفتاء الدستوري، فالأول يتخذ
قوته الإلزامية بمجرد صدوره عن الجمعية، فلا يشترط فيه عرضه على الشعب،
وهذا فعلا ما حدث سنة 1946 في فرنسا، بحيث الجمعية التأسيسية أقرها الدستور
في مايو 1946، وعرضه على الشعب، فرفض الموافقة
عليه مما أدى إلى
إنشاء جمعية تأسيسية أخرى لصياغة المشروع من جديد وعرضه على الشعب في
أكتوبر 1946 الذي وافق عليه. كما يجب التفرقة بين الاستفتاء الدستوري
والاستفتاء السياسي، فقد تنتهج هذه الطريقة لترويض الشعب لقبول الأوضاع
السائدة، فهو إقراري (بمعنى إقرار مشروع دستوري تضعه جمعية تأسيسية رغم
اختلاف في تكوينها، كما حدث للدساتير الفرنسية (1793-1795-1946)، أو دستور
ايرلندا الحرة سنة 1973. وليس كاشفا للإرادة الشعبية، فالشعب في هذا الموطن
له دور سلبي، بحيث يستشار شكليا لتبييض وجه النظام الحاكم، كالاستفتاء
بشأن إبقاء نابليون قنصلا عاما مدى الحياة 1802 أو استفتاء سنة 1804 بشأن
توارث الإمبراطورية في سلالة نابليون(1).
وقد أتبع هذا الدستور في
وضع دستورنا لسنة 1976 ودستور ايطاليا لسنة 1948 والعديد من الدساتير
الحديثة.كما تعتبر هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من غيرها، إلا أنها لكي تحقق
تلك الميزة أهدافها يجب أن يكون الشعب واعيا ومدركا للعمل العظيم الذي
يقوم به، ونظرا لصعوبة تحقيق هذه الأمنية فان على السلطة التي تريد مشاركة
الشعب فعلا في اتخاذ القرارات الحاسمة أن تتجنب تقديم النصوص المعقدة له بل
تقدمها فقط للبرلمان بشرط أن يكون برلمانا وليس هيئة فنية استشارية وتقتصر
على تقديم المسائل البسيطة الواضحة على أن تسبقها حملة إعلامية وتنظم
مناقشات حول الموضوع حتى يشعر الشعب بأنه شارك فعلا في وضع النص ولم يقتصر
على تقديم استشارة(2).
طريقة المعاهدات الدولية : بعض الدساتير يمكن
أن ترجع في نشأتها إلى معاهدات دولية مثل الدستور البولندي لعام 1815
والدستور الألماني لعام 1871، حيث يكون الدستور مستمدا من معاهدة دولية.

المبحث الرابع
طرق وضع الدساتير الجزائرية

بعد أن تناولنا في هذه الدراسة أساليب نشأة الدساتير بصفة عامة، يصبح
لزاماً أن نقدم نبذة موجزة عن تطور الدساتير الجزائرية ونشأته التي بدأت
مراحلها عقب انتهاء الاستعمار الفرنسي الغاشم للجزائر، وجلاء قواته عن
أراضيها. خلال ثلاثين سنة من الاستقلال عرفت الجزائر حياة دستورية مضطربة
بين المشروعية والشرعية ازدادت تأزما بعد الثمانينات، ففكرة إنشاء المجلس
الدستوري الجزائري تعود إلى ما بعد الاستقلال مباشرة، حيث تبناها المؤسس
الدستوري في أول دستور للجمهورية الجزائرية، وهو الدستور الصادر في 08
سبتمبر 1963 وذلك تأثرا بالنظام القانوني الفرنسي، الذي يتبنى نظام الرقابة
على دستورية القوانين عن طريق المجلس الدستوري. أما في الجزائر فقد عرفت
دستورين برامج مشحونين بالإيديولوجية الاشتراكية سنة (1963 – 1976) ودستور
قانون سنة (1989) وتعديل لهذا الأخير سنة (1996)، ويرجع ذلك إلى تباين
الأوضاع السياسية والاقتصادية والقانونية لكل مرحلة من مراحل التجربة
الدستورية الجزائرية، وخاصة في الفترة الممتدة بعد أحداث أكتوبر 1989.
سنحاول التعرض لكل مرحلة.

1. دستور 08 سبتمبر 1963:

دستور 1963 كان دستور برنامج، أي ذلك الدستور الذي يغلب عليه الطابع
الإيديولوجي على الجانب القانوني، ويعرف في الأنظمة الاشتراكية، فالدستور
في هذه الحالة يكرس الاشتراكية ويحددها هدفا ينبغي تحقيقه، كما يحدد وسائل
تحقيقها ويكرس أيضا هيمنة الحزب الحاكم، ومع ذلك كله فإنه يتناول الجوانب
القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة كما يبين حقوق وحريات الأفراد ومجالاتها.
وضع دستور 1963 كان من اختصاصات المجلس التأسيسي المنشئ بحكم اتفاقية
افيان، إلا أن الرئيس "أحمد بن بلة" تملص عن هدا المبدأ بإعطاء الضوء
الأخضر للمكتب السياسي في مناقشة وتقويم مشروع دستور في جويلية 1963، وعرضه
على المجلس التأسيسي للتصويت عليه، ثم تقديمه للاستفتاء الشعبي في سبتمبر
1963، وإصداره في 08 سبتمبر 1963، فرغم أن المشرع الجزائري أخذ بالطريقة
الديمقراطية (الجمعية التأسيسية والاستفتاء) إلا أن هذه الطريقة يشوبها
العديد من المخالفات، كمناقشة الدستور على المستوى الحزبي، مما تبعه سلسلة
من الاستقالات على مستوى المجلس التأسيسي (فرحات عباس، حسين آيت أحمد...)
(1).
بالرجوع إلى دستور 1963 نجد أن المادة 63 منه تنص على مايلي:
"يتألف المجلس الدستوري من الرئيس الأول للمحكمة العليا ورئيس الغرفتين
المدنية والإدارية في المحكمة العليا وثلاث نواب يعينهم المجلس الوطني
الشعبي وعضو يعينه رئيس الجمهورية". ومن المعلوم أن هذا المجلس لم يشكل
ليمارس نشاطه، وذلك نظرا لما عرفته الجزائر آنذاك من أحداث وعدم الاستقرار،
حيث أن الصراع من أجل السلطة كان على أشده مما لم يسمح بتشكيل هذا المجلس،
وما أحداث الانقلاب الذي عرفته الجزائر في 19 جوان 1965 والذي أطلق عليه
اسم التصحيح الثوري، حيث جمد الدستور فور استيلاء الثورة على السلطة وحل
محله أمر: 10 جويلية 1965، وما ينبغي معرفته من خلال نص المادة السالفة
الذكر هو طريقة التشكيل العضوي لهذا المجلس، حيث نلاحظ أنه مزيج بين رجال
السياسة ورجال القانون، أي أن المجلس الدستوري الجزائري آنذاك كان ذو طبيعة
مختلطة قضائية وسياسية، تضم رجالا تابعين لسلك القضاء وأعضاء آخرين
بالتمثيل السياسي.

2. دستور 22 نوفمبر 1976:
حاولت جماعة
19 جوان 1965 تأسيس نظام سياسي مدستر، فأصدرت نصين، إحداهما ذو طابع سياسي
إيديولوجي هو "الميثاق الوطني"-أعتبر بمثابة عقد بين الحاكم والمحكومين،
إذ تضمن المحاور الكبرى لبناء المجتمع الاشتراكي وحدد الحزب الواحد، ووحدة
القيادة السياسية للحزب والدولة- والثاني يعتبر تكريسا قانونيا للأول وهو
"الدستور"(1). وضع دستور 1976 جاء بعد إصدار القيادة في الجريدة الرسمية
–المرقمة 58 والمؤرخة في 13 جويلية 1965- عزمها على استصدار دستور فتشكلت
لجنة حكومية لصياغة نص الدستور وتقديمه للاستفتاء الدستوري يوم 19 نوفمبر
1976، وتمت الموافقة عليه و أصدر في 22 نوفمبر 1976. وكان إقرار الميثاق
الوطني سابق له، فقد تم إعداد المشروع التمهيدي على مستوى مجلس الثورة
والحكومة، وفتحت المناقشة العامة خلال شهري ماي وجوان.
إن الرقابة
على دستورية القوانين تعد أهم وسيلة لضمان احترام الدستور، غير أن دستور
1976 لم يعتمد على هذا النظام بالرغم من المطالب العديدة أثناء مناقشته
الدستور والميثاق الوطني، وإثرائه في مؤتمرات حزب جبهة التحرير الوطني بشأن
إحداث هيئة دستورية تتولى السهر على احترام أحكام الدستور، إلا أن البعض
قد رأى عدم إنشاء تلك الهيئة وهذا تجنبا للإكثار من مؤسسات الرقابة حتى
يمكن تفادي تداخل اختصاصاتها وعدم فاعليتها، كما أن وجودها قد يؤدي لا
محالة إلى عرقلة أعمال السلطة في ذلك الوقت لم يكن يؤخذ بمبدأ الفصل بين
السلطات، وإنما بوحدة السلطة ولذلك فإنشاء مثل هذه الهيئة يحد من حرية
المشروع وينازعه في أعماله، كما أن هناك من لا يعترف بوجود هذه الهيئة
للاختفاء وراء السلطة الثورية لتبرير تصرفاتهم غير الشرعية وهذا ما يجعل من
القانون أداة في يد فئة تستخدمه لتغطية تصرفاتها.

3. دستور 23 فيفري 1989:
بالنسبة لهذا الدستور فإنه لم يكن وليد ظروف عادية، وإنما لتلبية مطالب
عديدة جسدتها أحداث أكتوبر التي جاءت كرد فعل لأوضاع سياسية واقتصادية
واجتماعية مزرية، أدت فقد أغلبية الشعب الثقة في السلطة ولأجل ذلك وحفاظا
على مؤسسات الدولة فقام رئيس الجمهورية بفتح باب الحوار وطرح القضايا
الأساسية على الشعب للفصل بكل ديمقراطية كما وعد بالقيام بإصلاحات سياسية
ودستورية، ومنها دستور 23 فيفري 1989 الذي كرس مبدأ التعددية الحزبية،
واقتصر على ذكر الجوانب القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة وتحديد صلاحياتها
وتكريس نظام الحريات وحقوق الأفراد، هذا الدستور الذي تبنى فكرة الرقابة
بعد أن أهملها الدستور السابق أي 1976 وهو بذلك يتفق مع دستور 1963.

تم الإعلان عن المشروع الدستوري، مما تبعته مناقشات على مستوى الإعلام
المكتوب والمرئي، وتحضير العديد من الموائد المستديرة بمشاركة مختلف
الاتجاهات (الإسلاميين، الأحرار، الديمقراطيين، أعضاء جبهة التحرير
الوطني)، وقد تم إقرار الدستور من خلال استفتاء دستوري يوم 23 فيفري 1989
وكانت النتائج نعم 78.98% ، وهكذا فإن الدستور أقر عن طريق الاستفتاء(1).

4. دستور 28 فيفري 1996:
إن هذا الدستور الأخير ما هو إلا نتيجة للظروف الاستثنائية التي تعيشها
البلاد و الأوضاع المزرية على كل الأصعدة، خاصة منذ استقالة رئيس
الجمهورية السابق وتعطيل المسار الانتخابي وما ترتب عن ذلك من أعمال هددت
الأمن العام والاستقرار السياسي والمؤسساتي للبلاد، وهذا مما دفع إلى إنشاء
بعض المؤسسات وصفت بالمؤسسات الانتقالية منها المجلس الأعلى للدولة انتهت
مهامه بتنظيم ندوة الوفاق الوطني في جانفي 1994. ثم أول انتخابات رئاسية
تعددية شهدتها الجزائر، وذلك في 16 أفريل 1995، كما تم إنشاء المجلس الوطني
الانتقالي والذي تولى مهام السلطة التشريعية منذ 18 ماي 1994 إلى غاية
تنظيم الانتخابات التشريعية في جوان 1997، حيث ضم هذا المجلس ممثلي بعض
الأحزاب بالإضافة إلى أغلبية ممثلي الحركة الجمعوية وبعض المنظمات الوطنية
والنقابات التي لها ثقل على المستوى الوطني. كما كان هذا الهدف من هذا
الدستور سد مجموعة من الثغرات التي تضمنها دستور 1989 وخاصة فيما يخص حالة
تزامن شغور منصب رئيس الجمهورية مع حل المجلس الشعبي الوطني كما كان الحال
في جانفي 1992. ونظرا للأسباب السالفة الذكر تم اقتراح تعديل الدستور
بمشاركة مجموع الطبقة السياسية بمختلف تياراتها وخاصة في مرحلة إعداد
الوثيقة المعدلة للدستور التي تمت المصادقة عليها من طرف الأمة في استفتاء
28 نوفمبر 1996. وقد جاء هذا الدستور بعدة تعديلات كإنشاء مجموعة من
المؤسسات الدستورية منها مجلس الأمة والمحكمة العليا للدولة، ومجلس الدولة،
كما كرس الرقابة الدستورية وذلك من خلال الدور الفعال للمجلس الدستوري،
هذا الأخير الذي ارتفع عدد أعضائه إلى تسعة كما جاء في نص المادة 164 من
دستور 1996، أما مدة العضوية فلم تتغير أي ست سنوات غير قابلة للتجديد ولا
يمكن لأي عضو أن يمارس أية وظيفة أو تكليف آخر.

خـاتمـة



من هذا العرض الموجز لأساليب نشأة الدساتير يمكننا التعليق عليها
بالتالي أن نشأة الدساتير قد تتباين وفقاً للظروف التي يوجد فيها كل دستور،
وهذا بالتالي يعتمد على النظام السياسي القائم ونوع الحكم السائد في
البلاد. ومن ثم فقد مرت عملية نشأة الدساتير بعدة مراحل: المرحلة الأولى
كان الملوك ينفردون بالسلطة التأسيسية من الناحية القانونية وهو ما أطلقنا
عليه أسلوب المنحة، المرحلة الثانية وهى المرحلة التي تبرز فيها جهود الشعب
عن طريق هيئات تعمل باسمه لحمل الملوك على الاعتراف بحق الشعب في المشاركة
في السلطة التأسيسية، وهو ما يعرف بأسلوب التعاقد، المرحلة الثالثة وهى
مرحلة إنفراد الشعب بالسلطة التأسيسية وهو أسلوب الجمعية التأسيسية، والذي
قد أدى إلى ظهور أسلوب الاستفتاء الدستوري، في الحالات التي لا يباشر فيها
الشعب بنفسه السلطة التأسيسية ويوكلها إلى هيئة أو لجنة مختصة، تضع مشروع
الدستور الذي لا يتحول إلى دستور إلا بعد موافقة الشعب عليه في الاستفتاء
العام. ويجب الأخذ بعين الاعتبار عند البدء في وضع مسودة الدستور تجنب
الاعتماد على أسلوب أو اصطلاحات معينة ومحددة مثل أساليب العقد أو التعاقد
أو المنحة، وينبغي أن ينصب جهد اللجنة التأسيسية على دراسة حقائق نشأة
الدستور في ضوء الظروف السياسية التي صاحبت نشأته في المجتمع. والثابت
فقهاً أن أسلوب الاستفتاء الشعبي لا يكون إلا بشأن موضوع محدد لإقراره،
ومثاله الاستفتاء بشأن تغيير شكل نظام الحكم أو الاستفتاء على مشروع
الدستور. إذ ينبغي قانوناً أن يكون الانتخاب المباشر من الشعب هو الأداة
الشرعية لاختياره واستفتائه فيه بالموافقة أو الرفض
يحي سباع
يحي سباع
الإدارة العامة
الإدارة العامة

عدد المساهمات : 339
تاريخ التسجيل : 11/06/2016

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحث حول نشأة الدساتير الجزائرية Empty رد: بحث حول نشأة الدساتير الجزائرية

مُساهمة من طرف يحي سباع الخميس يونيو 23, 2016 2:26 am

لمقدمة
المبحث الاول: اسالب نشاة ادساتير
المطلب الاول: الاساليب الغير ديمقراطية
الفرع الاول: اسلوب المنحة
الفرع الثاني: اسلوب التعاقدي
المطلب الثاني: الاساليب الديمقراطية
الفرع الاول:اسلوب الجمعية التاسيسية
الفرع الثاني: اسلوب الأستفتاء الشعبي

المبحث الثاني: كيفية تعديل الدستور
المطلب الاول: مفهوم التعديل و القيود التي ترد عليه
الفرع الاول: مفهوم التعديل
الفرع الثاني: القيود التي ترد عليه
المطلب الثاني: اجراءات التعديل
الفرع الاول: المبادرة بالتعديل
الفرع الثاني: ابراز التعديل

المبحث الثالث: طرق نهاية الدساتير
المطلب الاول: الطرق القانونية
المطلب الثاني: الطرق الغير قانونية
الفرع الاول: الثورة الشعبية
الفرع الثاني: الانقلاب


قدمة







تتنوع
الأساليب التي تنشأ بها الدساتير بتنوع أنظمة الحكم في العالم. وذلك لأن
كل دستور هو نتاج للأوضاع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية
المحيطة به، وعلى وجه الخصوص مستوى التطور الذي بلغه النظام السياسي وتبعا
لدرجة التطور الديمقراطي في كل دولة من هذه الدول، وكذا لتقاليدها وخبراتها
السياسية ، وهى تتطور بتطور أنظمة الحكم في كل دولة من الدول، ففي ظل
الأنظمة السياسية القديمة القائمة على الحكم المطلق حيث لا حدود ولا قيود
على سلطات الحكام لم تنشأ الدساتير المكتوبة، لأن هذه الدساتير ما نشأت إلا
لتقييد سلطات الحكام والحد منها، ولكن مع انتشار الأفكار الديمقراطية،
والرغبة في الحد من الحكم المطلق، ظهرت الحاجة إلى تدوين الدساتير، من أجل
تحديد الواجبات والحقوق لكل من الحكام والمحكومين. بإتباع طرق تختلف
باختلاف الدولة ودرجة النضج السياسي لدى الرأي العام فيها. وقد يلعب
الأسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دوراً هاما في كشف المذهب السياسي الذي
ينطوي عليه. فما هي هذه الأساليب المتبعة التي تنشأ بواسطتها الدساتير؟ ..
هذا السؤال يطرح مبحثا مهما للغاية، للإجابة عليه يتطلع هذا البحث إلى
تقديم إجابات محددة وبسيطة، استنادا بالدرجة الأولى ببعض المراجع العربية
المتوفرة عن هذا الموضوع ومن خلال الإرشادات داخل الحصة من طرف الأستاذة.
وبالنسبة لعناصر البحث فقد قمنا بتقسيمها إلى أربع مباحث موضحة في خطة
البحث...




المبحث الأول
ظهور الدساتير

تنشأ
الدساتير بأساليب مختلفة ومتعددة، وقبل التعرض لأساليب نشأتها يتوجب علينا
بحث تاريخ، مكان وأسباب ظهورها والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة.

1. تاريخ ومكان ظهور أول دستور:
إذا
رجعنا لتاريخ العالم الإسلامي نجد أن أول دستور عرف بالمفهوم الفني الحديث
في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف "بالصحيفة"، تلك الوثيقة التي
أعدها رسول الإسلام لتنظيم أحوال دولة المدينة بعد أن انتقل إليها من مكة.
البعض
يرى بأن الحركة الدستورية أو أول بداية لظهور الدستور تعود إلى القرن
الثالث عشر وبالتحديد سنة 1215 عندما منح الملك جان ستير الميثاق الأعظم
للنبلاء الانجليز الثائرين عليه. والبعض الآخر يؤكدون بأن تاريخ ظهور
الحركة الدستورية الأولى بدأت تظهر معالمها في القرن السابع عشر عندما وضع
الجناح المؤيد لكرومويل في المجلس العسكري دستورا، وان كان البرلمان
وكرومويل ذاته لم يساندا ذلك المشروع فبقي كذلك بحيث لم يعرض على الشعب،
وان كانت بعض نصوصه اعتمدت فيما بعد لتنظيم السلطة وعادت فيما بعد مصدرا
لتنظيم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية(1).
أما أول الدساتير
المكتوبة ظهرت في المستعمرات البريطانية بأمريكا الشمالية كرد فعل للانفصال
عن إنكلترا، فأول دستور عرفه العالم الغربي في ولاية فرجينيا دستور جوان
1776، وقد سابقه الإعلان للحقوق الذي يعتبر القاعدة الأساسية لأي حكومة في
فرجينيا، ثم تلى ذلك في عام 1781 صدور دستور الاتحاد التعاهدي، وفي عام
1787 صدر الدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية. فالمثل الأمريكي
كان سببا لاقتداء العديد من الدول به كفرنسا مثلا، عرفت أول دستور مكتوب
عام 1791، وقد سبقها قبل ذلك إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صدقت عليه
الجمعية الوطنية في أوت 1789. فقد أصبحت الدساتير المكتوبة من خصائص الدول
الحديثة، نتيجة لرواج الأفكار الديمقراطية والحركات السياسية التي نادت
بمبدأ السيادة الشعبية، وبلورة فكرة العقد الاجتماعي، ومبدأ الفصل بين
السلطات...أمام هذه المزايا العديدة انتقات فكرة الدساتير المكتوبة الى
العديد من الدول الأوروبية، فصدر دستور السويد سنة 1809، والنرويج وبلجيكا
سنة 1831، وعلى إثر الحرب العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة
كنتيجة منطقية للحد من التعسف في استعمال السلطة فصدر دستور روسيا يوم 10
يوليو 1918، فدستور تركيا 1924ودستور النمسا 1 أكتوبر 1920 (1).

2. أسباب ودوافع وضع الدساتير:
إن
انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات الأوربية وسيطرة البرجوازية على
السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحسار الاستعمار كانت من الأسباب
والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم، وكان غرض شعوب تلك الأنظمة إثبات
سيادتها الداخلية واستقلاليتها، وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع
دستور يبين السلطات وعلاقاتها في الدولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين
والدول الأخرى. وأن هذه الدول بوضع الدستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين
السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي،
ولها الحق في الانضمام للمجتمع الدولي(2). وكما أشرنا سابقا على إثر الحرب
العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية، بحيث حددت
اختصاصات الحكام ومدى السلطات التي تحت أيديهم والواجبات المفروضة عليهم
حتى لا تتكرر نفس التجربة (التعسف في استعمال السلطة)، كما أن حركة التحرر،
ساهمت بشكل فعال في انتشار هذه الظاهرة، بالأخص إذا علمنا أن أغلب هذه
الدول تفتقر إلى رصيد دستوري، كانعدام حياة دستورية سابقة..أو عدم وجود
أعراف سابقة..كل هذا كان سببا مباشرا لوضع دستور مكتوب الى جانب ضرورة
اقتناء وتدوين وثيقة دستورية للإنضمام في المجتمع الدولي مثل غينيا قد اعلن
عن استقلالها يوم 02 أكتوبر 1958، وفي ذلك الوقت كانت الجمعية العامة
للأمم المتحدة منعقدة، ولكي يضمن الرئيس سيكوتوري الحصول على الموافقة،
أصدر دستور في 10 نوفمبر 1958، واعلنت الأمم المتحدة عن قبولها كعضو في 12
نوفمبر 1958. وفي الكويت دستور 1962 إذ كانت قد قبلت في جامعة الدول
العربية في 30 يوليو 1961 بمجرد اعلان استقلالها في 19 يونيو 1961، فإنها
لم تقبل في المم المتحدة ولم تنظم الى المجتمع الدولي إلا في 14 مايو 1963
أي بعد صدور دستورها في 11 نوفمبر 1962، وإذا كانت حركة الدساتير المكتوبة
قد سادت الدول العربية، إلا أن بعض دول الخليج تفتقر إلى دستور مكتوب ولا
يوجد فيها دستور مدون على نسق الدساتير المعاصرة(3).


المبحث الثاني
الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير

يمكن
تعريف الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير بأنها الأساليب التي لا
يستأثر الشعب وحده في وضعها، وإنما الذي يضعها هو الحاكم وحده (منحة) أو
بالاشتراك مع الأمة أو الشعب (عقد). وهما أسلوبان تزامنا مع تطور الملكية
من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة(1).

1. أسلوب المنحة:
يصدر
الدستور في شكل منحة إذا تنازل الحاكم بإرادته المنفردة عن بعض سلطاته
للشعب، أو أن يحددها ببعض القيود، بواسطة قواعد قانونية يمن بها على شعبه
في صورة دستور. والأصل في هذه الدساتير أن الحاكم هو مصدر السلطات، ومنبع
الحقوق والحريات، يجمع بين يديه الوظائف والاختصاصات، ومن بينها الاختصاص
التأسيسي. غير أن انتشار الأفكار الديمقراطية، ونضج وعي الشعوب بحقوقها،
والدعوة إلى الحد من من السلطان المطلق، دفع الحكام إلى منح شعوبهم دساتير،
تنازلوا بموجبها عن جزء من سيادتهم، ليظهروا بمظهر المتفضلين على شعوبهم،
قبل أن تجبرهم الأوضاع على التنازل عن جٌل سيادتهم، وبالتالي يفقدون هيبتهم
وكرامتهم.
وهكذا؛ وعلى الرغم من أن الشكل الخارجي للدستور الصادر بطريق
المنحة يظهر على أنه عمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة للحاكم، فإن
الدستور لم يكن ليصدر إلا نتيجة لضغط الشعوب على حكامها، ووعيها بحقوقها،
وخوف الحاكم من ثورتها وتمردها. ويسجل لنا التاريخ أمثلة كثيرة لدساتير
صدرت بطريق المنحة، ومنها الدستور الفرنسي لعام 1814 الذي أصدره لويس
الثامن عشر للأمة الفرنسية ، وجدير بالذكر إن معظم دساتير الولايات
الألمانية في القرن التاسع عشر صدرت بهذه الطريقة. ومن أمثلة الدساتير
الممنوحة كذلك: الدستور الإيطالي لعام 1848 والدستور الياباني لعام 1889،
ودستور روسيا لسنة 1906، وإمارة موناكو لعام 1911، وكذلك الدستور المصري
لعام 1923، ودستور إثيوبيا لعام 1931، والقانون الأساسي لشرقي الأردن لعام
1926، ودستور الإمارات العربية المتحدة لسنة 1971 وكذلك الدستور القطري
لسنة 1971(2).
ونتيجة لصدور الدستور بطريقة المنحة يثور تساؤل هام، حول
قدرة الحاكم الذي منح الدستور هل له الحق في سحبه أو إلغائه ؟ وللإجابة على
هذا السؤال انقسم الفقه إلى اتجاهين :-
* يذهب أولهما إلى قدرة الحاكم
على استرداد دستوره طالما كان هذا الدستور قد صدر بإرادته المنفردة، عل شكل
منحة، لأن من يملك المنح يملك الاسترداد. يساند هذا الرأي أمثلة حدثت
فعلاً، حيث أصدر شارل العاشر
ملك فرنسا قراراً ملكياً عام 1830 بإلغاء
دستور عام 1814، تحت حجة أن المنحة أو الهبة في الحقوق العامة تشبه الهبة
في الحقوق الخاصة، وكما يحق للواهب الرجوع عن الهبة. يحق للملك الرجوع عن
دستوره، إذا صدر عن الشعب جحود للمنحة ونكران للجميل.
*ويذكر ثانيهما
على الحاكم حق استرداد دستوره، ما دام هذا الدستور قد صدر، حيث تترتب عليه
حقوق للأمة، فلا يحق للحاكم - عندها - المساس به إلا بالاستناد إلى الطرق
القانونية المقررة بالدستور نفسه، حتى التسليم بأن صدور الدستور كان وليداً
للإرادة المنفرد للحاكم، لأن هذه الإرادة تصلح أن تكون مصدراً للالتزامات،
متى ما صادفت قبولاً من ذوي الشأن. وجدير بالإشارة أن الدستور الصادر
بطريقة المنحة يدرس على اعتبار أنه مرحلة تاريخية، تمثلت بالانتقال من
الملكيات المطلقة إلى الملكيات المقيدة، وقد انقضت وانتهت هذه المرحلة منذ
زمن، نتيجة لزوال الحكم الفردي، واستعادة معظم الشعوب لكامل حقوقها في
السيادة والسلطة. ومع ذلك، فما زالت بعض الدساتير تعتمد على الإرادة
المنفردة للحاكم، في نشأتها وفي إصدارها، منذ تسلمه للسلطة وحتى مماته، وإن
أمكن استبداله بغيره...وقائمة الدساتير التي صدرت بهذه الطريقة كبيرة.
ولنا بعالمنا العربي أمثلة متعددة، حتى أن بعضها لا يزال نافذاً إلى يومنا
هذا(1).

2. أسلوب العقد أو الاتفاق:
ينشأ الدستور وفق طريقة
العقد بناء على اتفاق بين الحاكم من جهة والشعب من جهة أخرى. أي لا تنفرد
إرادة الحاكم بوضع الدستور كما هو الحال في صدور الدستور على شكل منحة،
وإنما يصدر الدستور تبعاً لهذه الطريقة بتوافق إرادتي كل من الحاكم والشعب.
ويترتب على ذلك ألا يكون بمقدور أي من طرفي العقد الانفراد بإلغاء الدستور
أو سحبه أو تعديله. وعلى هذا النحو تٌمثل طريقة العقد أسلوباً متقدماً على
طريقة المنحة، لأن الشعب يشترك مع الحاكم في وضع الدستور في طريقة العقد،
بينما ينفرد الحاكم بوضع الدستور في طريقة المنحة. وبناء على ذلك؛ يعد
أسلوب العقد مرحلة انتقال باتجاه الأساليب الديمقراطية. خاصة وأن ظهور هذا
الأسلوب - لأول مرة - كان نتيجة لنشوب ثورات، في كل من انجلترا وفرنسا. ففي
إنجلترا ثار الأشراف ضد الملك جون، فأجبروه على توقيع العهد الأعظم في عام
1215، الذي يتعبر مصدراً أساسياُ للحقوق والحريات. وبنفس الطريقة؛ تم وضع
وثيقة الحقوق لعام1689 بعد اندلاع ثورة ضد الملك جيمس الثاني، حيث اجتمع
ممثلون عن الشعب، ووضعوا هذه الوثيقة، التي قيدت سلطات الملك، وكفلت الحقوق
والحريات الأساسية للأفراد. وتمت دعوة الأمير وليم الأورنجي لتولي العرش،
على أساس الالتزام بالقيود
الواردة بالوثيقة. وتشكل هاتان الوثيقتان جزءاً هاماً من الدستور الإنجليزي الذي يتكون معظمه من القواعد العرفية.
أما
في فرنسا فقدر صدر أول دستور فيها بطريقة العقد إثر ثورة سنة 1830 ضد
الملك شارل العاشر، ووضع مشروع دستور جديد من قبل جمعية منتخبة من قبل
الشعب، ومن ثم دعوة الأمير لويس فيليب لتولي العرش، إذا قبل بالشروط
الواردة بالدستور الجديد. وبعد قبول الأمير بهذه الشروط نودي به ملكاً على
فرنسا.
ويشار كذلك؛ إلى أن جميع الدساتير التي صدرت بطريقة العقد كانت
من عمل جمعيات منتخبة، والأمثلة على هذا النوع من الدساتير عديدة نذكر منها
الميثاق الأعظم في انجلتلرا سنة 1215 الذي هو جزء من دستور انجلترا، وكذلك
قانون الحقوق الصادر سنة 1688 في نفس البلد، ودساتير كل من اليونان
لسنة1844، ورومانيا لسنة 1864، وبلغاريا لسنة 1979، والقانون الأساسي
العراقي لعام 1925، والدستورين الكويتي لسنة 1962 والبحريني لسنة 1973. حيث
وضعت المجالس التشريعية في هذه الدول الدساتير المذكورة، ثم دعت أمراء
أجانب لتولي العرش على أساس الالتزام بأحكامها. وعلى الرغم من أن أسلوب
العقد يعد أسلوبا تقدمياً أكثر من أسلوب المنحة، فإنه لا يعد أسلوبا
ديمقراطيا خالصاً، لأنه يضع إرادة الحاكم على قدم المساواة مع إرادة الشعب،
بينما تفترض الديمقراطية أن يكون الشعب هو صاحب السيادة، لا يشاركه فيها
ملك ولا أمير.

المبحث الثالث
الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير

يمكن
تعريف الأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير، بأنها الأساليب التي تستأثر
الأمة وحدها في وضعها دون مشاركة الحاكم ملكا كان أو أميرا أو رئيسا
للجمهورية. وبغض النظر عن التفصيلات والإجراءات المتبعة في وضع الدساتير
داخل إطار هذا المفهوم الديمقراطي في وضع الدساتير، يمكن جمع هذ
يحي سباع
يحي سباع
الإدارة العامة
الإدارة العامة

عدد المساهمات : 339
تاريخ التسجيل : 11/06/2016

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحث حول نشأة الدساتير الجزائرية Empty رد: بحث حول نشأة الدساتير الجزائرية

مُساهمة من طرف يحي سباع الخميس يونيو 23, 2016 2:26 am

تتميز السياسة العامة التي يقررها و ينفذها النظام السياسي بالتنوع و
الشمول و التغلغل الذي يمس كافة جوانب الحياة في المجتمع ، وصنع السياسات
الحكومية أو العامة لحل مشاكل المجتمع هي عملية سياسية في المقام الأول،
وتتميز بالصعوبة و التعقيد و تختلف طبيعة وإجراءات صنع السياسة العامة من
دولة إلى أخرى تبعا للنظام السياسي ودور الأجهزة الحكومية و غير الحكومية
في كل منها، وبمعنى اقرب للوضوح يمكن القول أن السياسة العامة هي نتاج
تفاعل ديناميكي معقد يتم في إطار نظام فكري بيئي سياسي محدد تشترك فيه
عناصر معينة رسمية وغير رسمية يحددها النظام السياسي ، ومن أهم هذه العناصر
: دستور الحكم في الدولة الأيديولوجية أو الفلسفة السياسية للسلطة الحاكمة
، السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية ،السلطة القضائية، الأحزاب السياسية
، جماعات المصالح، الصحافة و الرأي العام، الإمكانات و الموارد المتاحة
وطبيعة الظروف العامة للبلد.
إن صنع السياسة العامة ليس عملية سهلة، بل
هي على درجة من الصعوبة و التعقيد. فهي عملية حركية بالغة الحساسية و
التعقيد، و تشمل على العديد من المتغيرات
و المؤثرات و عوامل الضغط
التي يؤدي تداخلها و تفاعلها المستمران إلى إنتاج سلسة من ردود الفعل التي
تنصرف بدورها إلى كل جوانب العمل داخل النظام السياسي ( 1) .
و تنطوي
عملية صنع السياسة العامة على عدة خصائص، وتمر بمراحل مختلفة في طبيعتها و
حدتها و تعقيدها من دولة لأخرى وفقا لعوامل كثيرة أهمها النظام السياسي و
نظام الحكم في كل منها(2). ففي النظم البسيطة تتمثل المؤسسة المعنية بتخطيط
وصنع القرارات في مجموعة رجال راشدين أو كبار السن الذين يجتمعون على هيئة
مجلس يتخذ القرارات في ضوء معايير و عادات و تقاليد المجتمع. وفي النظم
الملكية ضمت أبنية صنع السياسات الملوك و أعوانهم، و تميزت الإمبراطوريات
بوجود بناء مختص في إعداد هذه السياسات، وشهد القرن التاسع عشر، ظهور
الأحزاب و ازدياد دور الجماهير في الحياة السياسية، وهذان العاملان مهدا
لظهور نمط صنع السياسات عن طريق الوزارة و البرلمان.
و بمعنى آخر أن
النظام السياسي في كل دولة هو الذي يحدد كيفية رسم السياسة العامة، و
بالتالي يحدد دور الأفراد و الجماعات غير الرسمية في تحديد المشاكل وطرحها
على الحكومة و في استخلاص الحلول البديلة و الاختيار من بينها. و يعين
القنوات التي يمكن عن طريقها للأفراد و الجماعات و إحداث تأثير في إجراءات
العمل الحكومي وفي أصحاب سلطة اتخاذ القرار السياسي الرسمي بما يترتب عليها
تبني حلولا يقترحونها كسياسة عامة.
كما أن نظام الحكم و السياسة هو
الذي يحدد أيضا خطوات العمل الرسمي التي تتبع داخل الحكومة لدراسة المشكلة
العامة، تخطيط وصنع السياسة العامة لحلها، إقرار هذه السياسة، تمويلها،
تنفيذها، و تقييم آثارها و نتائج تنفيذها. كما يحدد الأجهزة التي تساهم في
هذه العمليات ودور كل منها و كيفية التنسيق بينها للوصول إلى قرار بسياسة
عامة تحقق رضا عاما (3) .
فكيف يمكن أن تطبق المداخل النظرية في السياسة
العامة ميدانيا ، وهل أن صناعة سياسة عامة بإتباع طرق علمية وعملية سيؤدي
إلى نتائج مرجوة تستجيب و ترد على تطلعات المواطنين في دولة ما؟
I. أسباب الاهتمام بالسياسة العامة:
يرجع " توماس داي" ، أسباب الاهتمام بتحليل السياسة العامة إلى ثلاث أسباب(4) ، يمكن إدراجها كالتالي:
1-
أسباب علمية: بمعنى أن هذه الدراسة يمكن أن تتحقق عن طريق الفهم المعمق
للمجتمع ، من خلال معرفة مصادر و نتائج قرارات السياسية العامة أي أن هذه
الأخيرة يمكن تناولها كمتغير تابع ،عندما يثور التساؤل حول ماهية القوى
البيئية والخصائص المؤسسية التي تساهم في تشكيل السياسة و تحديد مضمونها ،
وفضلا عن ذلك قد ينظر إليها كمتغير ثابت، فيتعلق السؤال بالنتائج التي
تطرحها السياسة العامة على البيئة و النظام السياسي ، و مثل هذه التساؤلات
وغيرها تثري المعرفة بالروابط بين البيئة و التفاعلات السياسية و السياسة
العامة، وهو ما يساعد على التطوير النظري لهذا الحقل بصفة عامة.
2-
أسباب عملية: بمعنى أن دراسة السياسة توفر للباحث السياسي إمكانية توظيف
معارفه في حل المشكلات العملية، إذ يغلب أن تخلص هذه الدراسات إلى توصيات
بشأن ماهية السياسات الملائمة لتحقيق الأهداف المبتغاة.
3- أسباب
سياسية: وهنا ينصرف هدف الدراسة إلى التأكيد من أن الدول تتبنى الأفضل من
السياسات لتحقيق الأهداف العامة، فكثيرا ما يتردد من أن علماء السياسة
ملزمون بتطوير السياسة العامة و إثراء النقاش السياسي عن طريق دارسة الأداء
الحكومي في الميادين المختلفة.
II.التحليل الكلاسيكي للسياسة العامة
تشكل
السياسة العامة اليوم ، أحد القطاعات الأكثر دينامكية للعلوم السياسية
فمنذ عشرات السنين تعددت الأعمال المنقولة في إطار وطني أو في نظرة مقارنة
من بلد لبلد دون إهمال الدراسات المنجزة على السياسات الأوربية . و الأسباب
في ذلك متنوعة لكن من بينها نسطر الشكوك القائمة حول اقتراب التحليل من
المشاكل الميدانية و أيضا الارتياب المتناظر عند المسيرين لجعل الجهود
القانونية ، المالية و الإدارية للقوة العامة أكثر إنتاجية (5) بالمفهوم
النيوليبرالي الذي يعد مكسب على السلم الدولي.
هذا الأخير يحتم على
التبرير الجيد لسياسات التدخل أو التأطير ،بدراسة أولا ديناميكيتها ، و
تأثيراتها الواقعية ، ومن جهة أخرى فإن تنامي الليبرالية أبدى ضرورة وجود
أشكال جديدة للعمل (التدخل) لمحاولة الوقاية من بروز مخاطر غير متوقعة
كونيا: دمار رهيب للبيئة أو عدو التوازن المناخي ، ندرة الموارد غير
القابلة لإعادة الإنتاج ، الانتشار الواسع للأوبئة و الأمراض في عالم يشهد
حركية واسعة للسلع و الأشخاص.
فالسياسة العامة هي: « (L’expression
d’une volonté gouvernementale d’action ou d’inaction) » ويمكن تعريفها
أيضا كمجموعات بنيوية (6) ،معرفة متلاحقة، اهتمامات ، قرارات أو إنجازات
خاصة بالسلطة العمومية(محلية،للتهيئة للسياحة.......الخ). تأخذ شكل عقود
تشريعية أو قوانين مضبوطة من طرف أعضاء قرارات منتخبين ، لكن ما يهم خاصة
هو المنح للمنافع و الموارد بفضيلة عبر إجراءات قانونيا إجبارية، التي تشهد
أولوية القوة العامة .
في الأخير ، يمكن القول أن السياسة العامة
بمفهومها هذا تضخم فكرة التلاحم المتداولة أو المفرزة مرة أخرى، وهذا لا
يعني بالأكيد أن هؤلاء المؤلفين لديهم بالضرورة نظرة واضحة حول ما يدور ،
أو على الأقل عن التأثيرات المحدودة لعمل المؤسسات ببساطة مفهوم السياسة
العامة يدفع للتفكير في القرارات غير المعزولة ولكن المدمجة في حد أدنى من
الاستمرارية ،و مشروط بمصب (Aval) و تشترط منبع (Amont)(7).
III.المقاربات الوطنية للسياسات العامة
يطرح هذا العنوان فكرة تدور حول الإتجاه نحو عدم فصل تحليل السياسات العامة
و تنوع النقاشات القومية .
منذ
سنوات السبعينات، تحليل السياسة العامة أخذ شيء فشيئا مكانة هامة في خضم
علوم السياسة. هذه المقاربة بعيدة أن تكون متجانسة ، ولكن في الواقع
تطويرها تميز أيضا ببعض التعارض أو الإنفصال ، أو على الأقل تميز بالطابع
الفاصل بين المختصين في السياسة العامة عن باقي البحث العلمي المنجز عن
السلطة ( .
قبل الغوص في هذا الإتجاه ، العناصر الآتية تبحث في تساؤل
عن حالة تحليل السياسات العامة في أربعة بلدان بالخصوص : فرنسا ، الولايات
المتحدة، ألمانيا، و المملكة المتحدة، و بأكثر دقة ، سنحاول تسليط الضوء
ولو بإيجاز عن الصيغة التي يحاول مختص السياسة العامة في كل بلد من تحديد
مشكل العلاقة بين التدخل العمومي و السياسة عبرها. وهذا يطرح ثلاث تساؤلات
مركزية (9).
- ما هي المدارس الأساسية للبحث في السياسة العامة؟
- ما هي العلاقات الرابطة بين تحليل السياسات العامة و العلوم السياسية؟
- كيف تصاغ و تعالج العلاقة المفصلية بين السياسات العامة (Policies) /المنافسة السياسية (Politics)/ و الفضاء السياسي (Polity)؟
إذا
كان هناك توافق في النقاط بين الأجوبة ، فإن التفسير سيحمل عدد كبير من
التعارضات الهامة المفسرة عبر تقاطع متغيرين: سوسيولوجيا العلوم للسياسة من
جهة و تغيرات الرهان الملاحظ في السياسة العامة من جهة أخرى.
1- المدرسة الألمانية لتحليل السياسات العامة بين التقاليد الدولية و النظرية:
طرق
البحث المطور في ألمانيا في حقل تحليل السياسات العامة -أكثر من كونها في
البلدان الغربية الأخرى- تضع في الحساب الحتميات التي تزن الدولة في التدخل
(l’état en action)، أي بين وزن المصالح المنظمة و القوام المرتبط
بالتنظيم الفدرالي للمؤسسات. معيار « Domestique » ، و معيار « semi
souverain » للسلطة الألمانية التي تواجدت في المقاربات التي تعتمد الصيغ
الأفقية و العمودية لاقتسام السلطة.
مختلف المقاربات النظرية
(institutionnalisme, réseaux, gouvernance, associative, néocoporatisme)
المركزة حول الفاعلين و المهيمنة في التقاليد الألمانية لتحليل السياسات
العامة، و التي تضع توجه تحولات أنظمة التدخل العمومي في جمهورية ألمانيا
الفدرالية (RFA) في العشريات الأخيرة. وهذا الإطار الأفقي للمقاربة
المهيمنة في تحليل السياسات العامة يلخص تدشين لإزدواجية التوجه لهذه
المقاربات : أحيانا تقديم النموذج (10)التاريخي للدولة الألمانية ، لكن
أيضا في سياق طابع علوم اجتماعية .
2- تعظيم و إخفاق للتحليل البريطاني للسياسات العامة:
في
بريطانيا العظمى، المسار المتبع لتحليل السياسات العامة يجد أصوله في
دراسة الإدارة الوطنية و المحلية لسنوات الثلاثينات، قبل أن يعرف توسعا
سريعا في السبعينات و الثمانينات، بالتركيز على سوسيولوجيا التنظيمات وعلى
دراسة العلاقات بين الدولو الجماعات المصلحية . إذ أن جل الباحثين
المندرجين ضمن هذا الميدان حولوا من تحليل التدخل العمومي إلى مكونة أساسية
لعلم السياسة البريطاني أثناء التسعينات ، لا أحد ينكر نوعية المردود
العلمي الرديئة في الحقيقة (11)، فمن جهة تغير العلاقات بين الوسط الجماعي و
السلطات العمومية ، ومن جهة أخرى الإشكالات الروتينية التي أهملت الرابطة
بين السياسات العامة، السياسة ، و الفضاء السياسي .
3- Polity et Politics في المقاربات الأمريكية للسياسات العامة:
يعتبر
تحليل السياسة العامة أكثر من محاولة صياغة نموذج أو تقديم مخطط كامل
للبحث حول تحليل السياسات العامة. و الهدف هنا يؤكد على التركيز لوضع برامج
بحث جديدة وحالية أكثر بينونة على غرار المؤسساتية الجديدة « Nouvel
institutionnalisme » و بكثير من التحديد و الدقة تهدف هذه البرامج لتوضيح
العلاقة الإشكالية بين المؤسسات ، السياسات العامة ، و التغيير بمعنى تسطير
طريق فكري يتبع قبل الوصول إلى مقاربة مدمجة فعلا للتدخل العام.
أكيد
أن هذه العناية النظرية التي تبرر وضع علاقات لمقاربات المؤسسات و السياسة
العامة المطبقة في فرنسا مع نظيرتها المستعملة بجلاء في الولايات المتحدة
الأمريكية ما هي إلا تأثيرات مؤسساتية و ديناميكيات للتغيير (12).
4- إنهيار أم إعادة بعث نفس أخر لتحليل السياسات العامة في فرنسا :
تحليل
السياسات العامة في فرنسا اليوم هو في البحث عن نفس ثاني، حقيقة أن بعض
الإخفاق الملحوظ بفعل عناصر الإنفصال حول هذا العلم الفرعي(sous
discipline) لعلم السياسات ، خاصة بسبب الخلل في التركيز المنهجي، الذي بقى
في حالة رمزية(symbolique) عبر المقاربة الإدراكية l’approche cognitive ،
هذا النفس الثاني يمكن أن يمر عبر إشكالية سياسات عامة بمصطلحات علم
الإجماع السياسي فتحليل العلاقة المفصلية « Policy/Politics » يوفر مسارات
بحث مباشرة ، بشرط تجاوز عقبة المستحيل (13)لمتغير سياسي ثابت (مستقل) ،
بالإهتمام على وجه الخصوص بتشريع و تسييس السياسات العامة.

IV.المرتكزات العامة في التحليل الحديث للسياسات العامة:
يحدد كل من « Hogwood »et « Dunn » التصنيفات المتعلقة بدراسة تحليل السياسات العامة حول المحاور التالية(14):
- دراسات متعلقة بفحوى السياسات و محتواها.
- دراسات متعلقة بعملية صنع السياسات العامة.
- دراسات متعلقة بمخرجات السياسات.
- دراسات تقويم السياسات العامة.
- دراسات تقديم المعلومات اللازمة لصنع السياسات.
- دراسات متعلقة بكيفية تحسين عملية صنع السياسات.
- دراسات متعلقة بتعضيد بعض السياسات « Policy advocacy » .
وهناك إتجاهين أساسين يمكن إدراج المحاور السابقة ضمنهما كالآتي:
*
الإتجاه الأول:يركز على إستخدام المعلومات في وضع السياسة العامة ، إذ
تهدف هذه الدراسة لحل المشكلات العامة عن طريق تقديم و توفير المعلومات ،
التي تسمح بزيادة كفاءة البدائل المتاحة ، وهي دراسات وصفية و قيمية «
Knowledge in the Policy process » .
* الإتجاه الثاني: يهتم بالمعلومات
عن السياسات و صنعها « Knowledge of the Policy » . وقد تناول الأستاذ
الدكتور " سلوى شعراوي جمعة" في كتابه:" تحليل السياسات العامة في الوطن
العربي" ، دراسة الإتجاهات الحديثة التي طرأت على تحليل السياسة العامة من
خلال المتغيرات التالية (15)
1- وحدة التحليل:
إذ كان التركيز في
دراسة تحليل السياسة العامة عن الدولة الوحدة الأساسية للتحليل، ولكن مع
تغير دور الدولة و إزدياد التفاعل بين القطاع العام و القطاع الخاص
و تعاظم دور الفاعلين الجدد، من مثل المنظمات الدولية، و المنظمات غير الحكومية
و الشركات متعددة الجنسيات ،أصبح التركيز على مفهوم الشبكات في تحليل السياسة العامة.
2- قضايا و محتوى السياسات العامة:
كان
الإهتمام في تحليل السياسات العامة حول العلاقات بين المؤسسات السياسية
داخل النظام و تأثير الجماعات الضاغطة، أي الإهتمام بالإطار الداخلي للدولة
كقضايا الصحة و التعليم و السكن ...الخ بتحديد الأولويات في صياغة السياسة
في البيئة الداخلية.
وبعد إنتشار العولمة هذه الظاهرة المركبة شاعت
مفردات جديدة كالتحول الديمقراطي، حقوق الإنسان و الجنس ،و تصاعد دور
المنظمات الدولية، مما أعطى أولوية الإهتمام في تحليل السياسة العامة لدولة
ما عن طريق دراسة البيئة الخارجية و تفاعلاتها مع البيئة الداخلية ، و
أصبحت قضايا ذات صبغة عالمية أو ما يعرف بالسياسات العامة العالمية.
3- منهجية التحليل:
والتي
تقوم على حل المشكلات للسياسة العامة باستخدام أدوات تحليل تسمح بتحديد
المشكلة من جهة و بزيادة كفاءة البدائل المقترحة أمام صانع القرار من جهة
أخرى، و بعدها تطورت منهجية التحليل و أصبحت تجمع بين التحليل الكمي و
الكيفي وتأخذ بالأسلوب المقارن بإتباع أسلوب وقائي قبل أن يكون علاجي في حل
المشكلات. كما أن التطور المعلوماتي أدى إلى الأخذ بأساليب التقليد و
النمذجة للاختيار بين البدائل المقترحة من مثل العصف الذهني و أسلوب دلفي
«Delphi technique,brain storming » وهكذا أسلوب التعيين الجماعي«The
nominal group technique » ، فتطورت منهجية تحليل السياسات العامة بإعتماد
مفاهيم من مثل الكفاءة و الفعالية و العدالة ، و نهج أساليب التكلفة و
العائد في التقييم ، و التركيز على مفهوم الرضا العام و المشاركة و عدالة
الإجراءات ، و أساليب التقييم الإجتماعي أو التقويم البيئي و تحليل
المخاطر، ليظهر منهج آخر حديث يركز على دور الجنس و التوزيع المتكافئ
للأدوار بين الرجل و المرأة وقبول حيادية التحليل للسياسات العامة.
4- المدارس الفكرية:

تعددت
المدارس الفكرية التي إرتبطت بتحليل السياسات العامة ، إذ كانت هناك
محاولة لتطبيق المبادئ العلمية على دراسة الظواهر الإجتماعية وقد حدد «
Watters » ، و « Sud weeks » ، عدد من المدارس الفكرية في هذا الإطار :
-
مدرسة Socio-econonics : و التي تؤكد أهمية الدور الذي تلعبه القيم و
المبادئ في عملية اتخاذ القرار كالخيار الرشيد و الخيار العام ، و إن كانت
تؤكد على ضرورة عدم إستبعاد العامل القيمي أو الأخلاقي في التحليل.
- مدرسة : Policy Discource وتركز على أهمية الخطاب في السياسات العامة.
- مدرسة : Political Ideas تهتم بعملية تقييم البدائل و صنعها أي كيف تتم ومن يشارك فيها؟
-
مدرسة Pragmatic Liberalism: تستند على تقديم المعايير و إستخدامها في
تقييم البدائل ، و تدعو لمزيد من المشاركة الشعبية و حرية التعبير، و كيفية
التأثير في قرارات السياسة العامة.

أخيرا و في نهاية هذه الدراسة
يمكن أن نعتبر أن التطور السابق لتحليل الحركات الإجتماعية لا يأخذ كمصيدة
مفضوحة لتقاطع الذاتية و الموضوعية إذ أن العثرة الأولى تمس مفهوم الفرص
السياسية ، و الموجهة بأن تأخذ في الحسبان روابط التعبئات المنخرطة مع
البيئة السياسية.

فالعلاقات السياسية ما هي إلا أبعاد إدراكية و
إتجاهات مصلحية في تحليل الحركة الإجتماعية و أن هذا المفهوم يبحث في عدم
تحديده، سكونه وميكانيزماته .أو النموذج الموضوعي « Cadres de l’expérience
contestataire » المواجه لعمليات الإنضمام لنتيجة لتوحيد التصورات الخاصة
بالمناضلين و تنظيمات الحركات الإجتماعية.

وربما في نظرنا أن موضوع
السياسة العامة بين الخبرة النظرية و الواقع العلمي قد يخضع لأحكام مسبقة
ثقيلة و مثالية نتيجة الفكر النخبوي و تغيرات الظروف الدولية
يحي سباع
يحي سباع
الإدارة العامة
الإدارة العامة

عدد المساهمات : 339
تاريخ التسجيل : 11/06/2016

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى