بحث حول نظريات العلاقات الدولية
صفحة 1 من اصل 1
بحث حول نظريات العلاقات الدولية
|
يحي سباع- الإدارة العامة
- عدد المساهمات : 339
تاريخ التسجيل : 11/06/2016
رد: بحث حول نظريات العلاقات الدولية
2 ـ 2 : الواقعية الجديدة:
الواقعية
الجديدة هي رؤية بيدولية inter –étatique (بمعناها الليبرالي). يحاول
كينيث والتز في كتابه (نظرية حول السياسات الدولية Atheory of
international politics (1979) تجاوز النقد الذي كان يمكن توجيهه إلى
مورغينتو كما يسعى إلى تشذيب النظرية الواقعية من خلال البحث عن "جوهرها".
ويقترح نظرية للمنظومة الدولية والإبقاء على هذا المستوى من التحليل
باعتباره الوسيلة الوحيدة لفهم أفعال الفاعلين الذين يشكلون عناصر هذه
المنظومة التي تفرض قيوداً محددة على الأفعال. وبهذا المعنى فإن والتز لا
يملك أية رؤية معادية للعلاقات الدولية. والمعطى الوحيد الذي يتمتع
بالأهمية عنده هو المنظومة، أما العوامل الأخرى كالدين وعلم النفس والسياسة
الداخلية والاقتصاد إلى حد ما. تعتبر ثانوية. ويرى أن جوهر العلاقات
الدولية يقع فوق العوامل الأخرى.. زد على ذلك تقديره أن هذا الوضع الفوضوي
للعلاقات الدولية يجبر الدول على اتباع سياسات واقعية. ومن هنا فإن نظرية
والتز هي نظرية ثورية لأنها تلغي عدداً من العوامل لتتيح وضع نظرية عامة
للعلاقات الدولية..
لكن والتز يقف ضد التقليصية réductionnisme التي
تقوم قاعدة تحليلها على مستوى الوحدات، ويشدد على خصائص هذه الوحدات وعلى
سلوكها كتصنيف الأنظمة régimes (إسلامي، ديمقراطي، أوليغارشي،الخ..). لكي
يتمكن من تفسير العلاقات الدولية. لكن والتز يعتبر أن السياسة الخارجية
للدول ليست أهم العناصر في تفسير العلاقات الدولية، وهكذا فإن التقليصيين
يرون أن المنظومة العالمية هي مجموع الدول وقراراتها وأفعالها المتبادلة.
وبالتالي فإن مستوى التحليل يقع على صعيد المستوى الثاني، لتحليل العلاقات
الدولية، أي الدول ـ الأمم، وهذه الرؤية هي إدراك "من الأسفل" للمنظومة
الدولية، بمعنى آخر، هي إدراك المنظومة انطلاقاً من المستوى الذي نضع
أنفسنا فيه. لكن والتز يميز بين السياسة الخارجية وبين المنظومة الدولية
لأنه يعتبر المنظومة عبارة عن مجموع العوامل التي تدخل في أهداف الدول
(المتغيرة) ونتائج السياسة الخارجية لهذه الدول (وهي نتائج ثابتة). هناك
إذاً عنصر خارجي يدخل بين اللحظتين المذكورتين، وهذا يسمح بالمحافظة على
ثبات المنظومة الدولية لأنه يندر أن تختفي الدول في أعقاب صراعات بيدولية.
ويلاحظ والتز أن استمرارية معينة تظل تحكم العلاقات الدولية.
إذاً،
والتز يدافع عن منظور منظومي systémique، بعبارة أخرى، عن رؤية تنطلق من
منظومة ما، أي من مجمل المنظومة الدولية التي تفرض طريقة معينة على شكل
وحدات المنظومة وتصرفاتها عن طريق مظاهرها الضاغطة والصائغة. إذاً،
فالمنظومة الدولية هي بنية تفرض نفسها على وحداتها. وهنا نضع أنفسنا في
مستوى المجاز الثاني للمنظومة الدولية، أي الرؤيا "من أعلى" ويقدر والتز أن
العلاقات الدولية، تركزت كثيراً على دراسة السياسات الخارجية للدول، مما
أدى إلى تعددية في النظريات لأن أي صراع جديد يحدد شكلاً جديداً لأسباب
هذا الصراع. إذاً فالأمر يتعلق بالبحث عن حل لمشكلة تكوين نظريات للعلاقات
الدولية الحالية والابتعاد عن وضع تاريخ لهذه العلاقات الدولية. لأن
تاريخها لا يحل شيئاً.. ومن هنا ضرورة وضع نظرية للعلاقات الدولية للتوصل
إلى حل عملي وامتلاك إرادة من شأنها أن تحول دون نشوب النزاعات. وهذه
النظرية هي وحدها الكفيلة بأن تشكل قاعدة لبناء أخلاق عملية. إذاً فالأمر
يتعلق بدراسة نظرية للعلاقات الدولية توضح جوانب انسجام المنظومة. وإذا كنا
نلجأ إلى الاتجاه المنظومي Systémisme فلأن استخدام البنية يسمح لها بدمج
الانسجامات في النظرية ولأن البنية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية:
1
ـ مبدأ التسوية: أي التدرج على المستوى الداخلي والفوضى على المستوى
الدولي. وعلى هذا فإن نظرية والتز تستلهم الاقتصاد الميكروي Micro –
économique بشكل مباشر. هناك بالفعل تشابه بين المفاهيم الاقتصادية
الميكروية حول الإنسان الاقتصادي Homo Economicus ، أي عقلانية الإنسان
المستهلك والمنتج وبين البحث عن المصلحة الخاصة ومصلحة السوق التي تنشأ
عفوياً من تفاعل مختلف العوامل الاقتصادية [vii] والمفاهيم المنتمية إلى
المنظومة السياسية الدولية مثل مفهوم المساعدة الذاتية (اللهم نفسي) Self –
help أي أن الإنسان لا يستطيع الاعتماد إلا على نفسه وعلى قواه الذاتية،
وقبل أي شيء على فكرة البقاء، بمعنى أن الدول تسعى في المقام الأول، إلى
البقاء وليس إلى السلطة كما كان يعتقد مورغينتو. وعلى هذا فالمنظومة
السياسية الدولية هي منظومة يسعى كل فيها إلى مساعدة نفسه، لأن الإنسان
وحيد، وكما المنظومة الاقتصادية، فإن المنظومة الدولية تقوم على مبدأ اللهم
نفسي (السوق)، وللوصول إلى هذه النتيجة يجب اتباع مبدأ الاصطفاء المعروف
عند داروين، وهو المبدأ الشهير struggle for life survival of the
fittest” وكذلك النظريات المالتوسية التي تسمح بإقامة اقتصاد العقلانية
الرفيعة عن طريق عقلانية تظهر من خلال المحاكاة عند الدول التي تتبع أفضل
الناجحين والتي هي دول رفيعة المستوى بالتعريف.
2 ـ خصائص الوحدات ـ الدول:
وهي مشتقة من نتائج استخدام البنية. الدول سيدة نفسها لأنها تنتمي
إلى مفهوم "اللهم نفسي" "Self – help" . وبالتعميم، يمكننا القول بأنها
جميعها تقوم بالوظيفة نفسها، بتعبير آخر، ليس هناك مايميز الدول عن بعضها
بعض. فدول المنظومة الاشتراكية تتبع عملية تغير من خلالها أعضاءها ليصبحوا
شبيهين بها. وبالمحاكاة، والدول تكون عقلانية بالمحاكاة عقلانية حيث تميل
إلى احترام أخلاق المنظومة وقواعدها كاندماج الاتحاد السوفييتي في المنظومة
الدولية مع أنه نتاج ثورة بلشفية امبريالية ثورية.[viii]
3 ـ يتم
توزيع الموارد داخل المنظومة حسب الأقطاب أو القوى الكبرى. وبالتالي فإن
والتز يميز المنظومة الوحيدة القطب، وهو هنا لا يستفيض كثيراً لأن ما يدور
بداخلها حاسم بالنسبة لها، عن المنظومة ثنائية القطب أو متعددة
الأقطاب[ix].
انطلاقاً من هذه العناصر الثلاثة، يمكننا استخلاص الانسجامات في سلوك الدول داخل المنظومة:
1 ـ الحرب ظاهرة عادية بسبب مبدأ "اللهم نفسي"..
2
ـ هناك استقلال للسياسة الدولية وفي الوقت نفسه ترابط بين السياسة الوطنية
لوحدات المنظومة لأن البنية الدولية تحدد التعاون بسبب مأزق الأمن
بالإضافة إلى مسألة الفائدة النسبية والأمن نفسه الذي يضع حداً للترابط
المقبول.
3 ـ بما أن الدولة لا تهتم إلا بنفسها. فلا أحد يهتم بتغير البنية؛
4
ـ المنظومة الفوضوية لها فضائلها الخاصة بها. حيث يؤدي إلى استخدام القوة
إلى الحدّ من المداورات manipulation واعتدال المطالب وتشجيع البحث عن
الحلول الديبلوماسية. الواقعية السياسية realpolitik أو المصلحة العليا
للدولة Raison d’état هو العنصر الأساسي في رؤية والتز المنظومية. وتقوم
الواقعية السياسية على قاعدة أن للدول مصالح (البقاء في الدرجة الأولى
ومصالح أخرى تتعلق بالظروف) تخضع لقيود سببها المنظومة الدولية وهي دول
عقلانية في مساعيها. بعد هذا يمكننا قياس نجاح سياسة ما من خلال قياس
الحفاظ على الدول وتعزيز وجودها.
5 ـ توازن القوى: ويتطلب تحقيق
شرطين، إما أن تبقى الدول في حالة فوضى أو إرادتها في البقاء ضمن المنظومة.
وهنا نشير إلى هذا التوازن من شأنه أن يتحقق في غياب النية لتوفيره. أي
يمكنه أن ينشأ بشكل آليّ كما هو الحال اليوم في أفغانستان. وقد نشأ هذا
التوازن بوسيلتين الأولى داخلية والثانية خارجية..
6 ـ يقف والتز
ضد الرؤية الاتفاقية التي ترى أن المنظومة المتعددة الأقطاب يمكن أن تكون
أكثر استقراراً من المنظومة ذات القطبين. فمرونة الأولى تسمح بإعادة
التوازن لما لها من سرعة جوهرية لاسيما إذا اختارت دولة ما من نوع "بيضة
القبان" أن تتبع سياسة توازن القوى… لكن والتز يرى أن المرونة تؤدي إلى
ازدياد الريبة وإمكانية الوقوع في حساب خاطئ. أما الثنائية القطبية فتتيح
خفض الريبة والحفاظ على الوضع الراهن المراد بطبيعة الحال، من قبل القوى
الكبرى المتخاصمة. وإذا وجد مزيد من أخطار النزاعات في عالم متعدد الأقطاب
فإن نتائج النزاع ستكون أشد خطورة على العالم..
2 ـ 3 ـ كيف نحلل الواقعية السياسية:
سنستشهد
هنا بمقالة توماس كريستينسن T.Christensen حول الواقعية السياسية الصينية
Chinese Realpolik وسنحتفظ في ذاكرتنا بالانسجامات كما نبرز الواقعية
السياسية المذكورة أعلاه، كريستينسن ينطلق من مفهومه الواقعي الذي يقول أنه
عثر عليه في السياسة الخارجية الصينية الحالية. وتبعاً لذلك فإن مفاهيم
رجال الدولة الصينية هي مفاهيم واقعية تماماً بالمعنى الكلاسيكي للعبارة.
ويسوق كريستينسن سلسلة من التحليلات التي يمكن استنتاجها من مأزق الأمن
الخاص بالصين؛
1 ـ الشبهات الناجمة عن هذا النزاع جعلت الصين تتعلق
بمفاهيم وآمال قادتها للجوء إلى استقطابات رفعت عندها عدم الشعور بالأمن
عند الآخرين..
2 ـ ارتبط الموقف الصيني إزاء اليابان بالمفهومين
الواقعي والتاريخي، وقد اهتم كريستينسن بهذا التمييز. فسعت الصين من خلال
وسائل داخلية، إلى موازنة Balancing تهديد اليابان في المنطقة لتحقيق توازن
في القوى. ولجأت إلى الطريقة نفسها إزاء الولايات المتحدة وروسيا. المكون
الثاني لتحليل هذه العلاقات الصينية ـ اليابانية هو المكون التاريخي. وهو
مكون يبتعد عن المفهوم الواقعي الجديد لكنه غالباً ما يستخدم في الدراسات
الواقعية. وبالتالي فإن الصين تتذكر الاحتلال الياباني خلال مختلف الحروب
التي وقعت بين البلدين لاسيما حرب الثلاثينات والأربعينات. ولا تزال هذه
الحرب الأخيرة أكثر حضوراً في الأذهان اليابانية من حرب كوريا هذه الأسباب
التاريخية هي التي جعلت الإحساس بالتهديد الياباني أهم من تهديد الولايات
المتحدة مع أن الولايات المتحدة. من الناحية الموضوعية، قوية كاليابان،
عسكرياً في تلك المنطقة إن لم تكن أكثر قوة منه. ويشير كريستينسن أيضاً إلى
أهمية تايوان في سياسة الصين الخارجية. فالصين تعارض استقلال تايوان
قانونياً jure de حتى لو كان هذا الاستقلال متحققاً بالفعل. وهكذا، فإن
موقف الصين. إزاء جارها يرتبط بالمفهوم الواقعي وبالتاريخ للوهلة الأولى،
يرى كريستينسن أن التحليل الواقعي المحض لا يستطيع تفسير إرادة إعادة
التوحيد هذه. ومع هذا فالسيد ألان لا يتفق معه. فهو أي ألان، يقدر أن مفهوم
المصلحة الوطنية، التي تنطوي عليه الواقعية يفسر هذه الإرادة. الحقيقة أن
المصلحة الوطنية تسعى للحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى سلامة الأراضي من
الوجهة التاريخية،، وهنا تقع محاجة كريستينسن على صعيد الوحدات، تبرر
الوطنية الصينية إرادة إعادة التوحيد هذه، لأن الحزب الشيوعي الصيني،
برأيه، "التجأ" إلى التبرير الوطني بعد أن فقد أي مبرر أيديولوجي..
4
ـ أخيراً، يحلل كريستينسن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، أي البقاء
في اليابان من أجل البقاء في المنطقة للإمساك باليابان في الوقت نفسه، لكي
لا تدعم استقلال تايوان حتى لو كان قانونياً D ejure..
2 ـ 4 ـ بنية المنظومة الدولية ونهاية الحرب الباردة. ومستقبلنا والسلام:
سنضرب
مثالاً على ذلك التحليل الواقعي الجديد الذي قام به ميرشيمر Mearsheimer
عام 1990 حول مستقبل أوروبا. يقوم السيناريو الأساسي لتحليله على افتراض
انتهاء الحرب الباردة تماماً وعلى الانسحاب الشامل للقوات الأميريكية
والسوفيتية من أوروبا. ويذكّر بأن تفكيك الاتحاد السوفيتي سيشكل خطراً
وعاملاً كبيراً في عدم الاستقرار وسيؤدي هذا الوضع إلى تفاقم الأزمات
الكبرى واحتمالات نشوب الحروب لأسباب عدة:
أولاً ـ لأن المنظومة
المتعددة الأقطاب أقل استقراراً نظراً لازدياد الثنائيات[x]. وتزايد
العلاقات بين الدول في المنظومة الدولية وعدم تناظر السلطات الممكنة، وسوء
حسابات التوترات والسلطة.
ثانياً ـ لأن هناك تغير في طبيعية القوة العسكرية. ويقترح ميرشيمر أربعة سيناريوهات تقوم على الردع النووي:
1 ـ نزع السلاح النووي من أوربا. وهذا لا يتوقعه لأنه أمر غير معقول وهو على أية حال. خطير لأن الردع النووي يرسّخ العلاقات الدولية
2
ـ الإبقاء على الوضع الراهن. لكن هذا من شأنه [xi]أن يثير عدداً من الدول
مثل ألمانيا أو دول الشرق، كما يمكنه أن يثير رد فعل تصعيدي إزاء امتلاك
بلدانهم للسلاح النووي، أي لجوئها لاتخاذ إجراءات داخلية مناهضة لتهديد
الدول الأخرى المالكة للأسلحة النووية؛
3 ـ تكاثر نووي بين يدي إدارة سيئة. وهذا قد يسبب زيادة في إمكانية حدوث نزاعات في أوروبا.
4 ـ تكاثر نووي بين يدي إدارة جيدة يترافق بسياسة توازن للقوى تقودها بعض الدول.
هذا
هو الحل الذي يقترحه ميرشيمر. وهو يعني بالنسبة له تزويد ألمانيا بالسلاح
النووي وعلى الولايات المتحدة وبريطانيا أن تقوما بهذا الد
الواقعية
الجديدة هي رؤية بيدولية inter –étatique (بمعناها الليبرالي). يحاول
كينيث والتز في كتابه (نظرية حول السياسات الدولية Atheory of
international politics (1979) تجاوز النقد الذي كان يمكن توجيهه إلى
مورغينتو كما يسعى إلى تشذيب النظرية الواقعية من خلال البحث عن "جوهرها".
ويقترح نظرية للمنظومة الدولية والإبقاء على هذا المستوى من التحليل
باعتباره الوسيلة الوحيدة لفهم أفعال الفاعلين الذين يشكلون عناصر هذه
المنظومة التي تفرض قيوداً محددة على الأفعال. وبهذا المعنى فإن والتز لا
يملك أية رؤية معادية للعلاقات الدولية. والمعطى الوحيد الذي يتمتع
بالأهمية عنده هو المنظومة، أما العوامل الأخرى كالدين وعلم النفس والسياسة
الداخلية والاقتصاد إلى حد ما. تعتبر ثانوية. ويرى أن جوهر العلاقات
الدولية يقع فوق العوامل الأخرى.. زد على ذلك تقديره أن هذا الوضع الفوضوي
للعلاقات الدولية يجبر الدول على اتباع سياسات واقعية. ومن هنا فإن نظرية
والتز هي نظرية ثورية لأنها تلغي عدداً من العوامل لتتيح وضع نظرية عامة
للعلاقات الدولية..
لكن والتز يقف ضد التقليصية réductionnisme التي
تقوم قاعدة تحليلها على مستوى الوحدات، ويشدد على خصائص هذه الوحدات وعلى
سلوكها كتصنيف الأنظمة régimes (إسلامي، ديمقراطي، أوليغارشي،الخ..). لكي
يتمكن من تفسير العلاقات الدولية. لكن والتز يعتبر أن السياسة الخارجية
للدول ليست أهم العناصر في تفسير العلاقات الدولية، وهكذا فإن التقليصيين
يرون أن المنظومة العالمية هي مجموع الدول وقراراتها وأفعالها المتبادلة.
وبالتالي فإن مستوى التحليل يقع على صعيد المستوى الثاني، لتحليل العلاقات
الدولية، أي الدول ـ الأمم، وهذه الرؤية هي إدراك "من الأسفل" للمنظومة
الدولية، بمعنى آخر، هي إدراك المنظومة انطلاقاً من المستوى الذي نضع
أنفسنا فيه. لكن والتز يميز بين السياسة الخارجية وبين المنظومة الدولية
لأنه يعتبر المنظومة عبارة عن مجموع العوامل التي تدخل في أهداف الدول
(المتغيرة) ونتائج السياسة الخارجية لهذه الدول (وهي نتائج ثابتة). هناك
إذاً عنصر خارجي يدخل بين اللحظتين المذكورتين، وهذا يسمح بالمحافظة على
ثبات المنظومة الدولية لأنه يندر أن تختفي الدول في أعقاب صراعات بيدولية.
ويلاحظ والتز أن استمرارية معينة تظل تحكم العلاقات الدولية.
إذاً،
والتز يدافع عن منظور منظومي systémique، بعبارة أخرى، عن رؤية تنطلق من
منظومة ما، أي من مجمل المنظومة الدولية التي تفرض طريقة معينة على شكل
وحدات المنظومة وتصرفاتها عن طريق مظاهرها الضاغطة والصائغة. إذاً،
فالمنظومة الدولية هي بنية تفرض نفسها على وحداتها. وهنا نضع أنفسنا في
مستوى المجاز الثاني للمنظومة الدولية، أي الرؤيا "من أعلى" ويقدر والتز أن
العلاقات الدولية، تركزت كثيراً على دراسة السياسات الخارجية للدول، مما
أدى إلى تعددية في النظريات لأن أي صراع جديد يحدد شكلاً جديداً لأسباب
هذا الصراع. إذاً فالأمر يتعلق بالبحث عن حل لمشكلة تكوين نظريات للعلاقات
الدولية الحالية والابتعاد عن وضع تاريخ لهذه العلاقات الدولية. لأن
تاريخها لا يحل شيئاً.. ومن هنا ضرورة وضع نظرية للعلاقات الدولية للتوصل
إلى حل عملي وامتلاك إرادة من شأنها أن تحول دون نشوب النزاعات. وهذه
النظرية هي وحدها الكفيلة بأن تشكل قاعدة لبناء أخلاق عملية. إذاً فالأمر
يتعلق بدراسة نظرية للعلاقات الدولية توضح جوانب انسجام المنظومة. وإذا كنا
نلجأ إلى الاتجاه المنظومي Systémisme فلأن استخدام البنية يسمح لها بدمج
الانسجامات في النظرية ولأن البنية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية:
1
ـ مبدأ التسوية: أي التدرج على المستوى الداخلي والفوضى على المستوى
الدولي. وعلى هذا فإن نظرية والتز تستلهم الاقتصاد الميكروي Micro –
économique بشكل مباشر. هناك بالفعل تشابه بين المفاهيم الاقتصادية
الميكروية حول الإنسان الاقتصادي Homo Economicus ، أي عقلانية الإنسان
المستهلك والمنتج وبين البحث عن المصلحة الخاصة ومصلحة السوق التي تنشأ
عفوياً من تفاعل مختلف العوامل الاقتصادية [vii] والمفاهيم المنتمية إلى
المنظومة السياسية الدولية مثل مفهوم المساعدة الذاتية (اللهم نفسي) Self –
help أي أن الإنسان لا يستطيع الاعتماد إلا على نفسه وعلى قواه الذاتية،
وقبل أي شيء على فكرة البقاء، بمعنى أن الدول تسعى في المقام الأول، إلى
البقاء وليس إلى السلطة كما كان يعتقد مورغينتو. وعلى هذا فالمنظومة
السياسية الدولية هي منظومة يسعى كل فيها إلى مساعدة نفسه، لأن الإنسان
وحيد، وكما المنظومة الاقتصادية، فإن المنظومة الدولية تقوم على مبدأ اللهم
نفسي (السوق)، وللوصول إلى هذه النتيجة يجب اتباع مبدأ الاصطفاء المعروف
عند داروين، وهو المبدأ الشهير struggle for life survival of the
fittest” وكذلك النظريات المالتوسية التي تسمح بإقامة اقتصاد العقلانية
الرفيعة عن طريق عقلانية تظهر من خلال المحاكاة عند الدول التي تتبع أفضل
الناجحين والتي هي دول رفيعة المستوى بالتعريف.
2 ـ خصائص الوحدات ـ الدول:
وهي مشتقة من نتائج استخدام البنية. الدول سيدة نفسها لأنها تنتمي
إلى مفهوم "اللهم نفسي" "Self – help" . وبالتعميم، يمكننا القول بأنها
جميعها تقوم بالوظيفة نفسها، بتعبير آخر، ليس هناك مايميز الدول عن بعضها
بعض. فدول المنظومة الاشتراكية تتبع عملية تغير من خلالها أعضاءها ليصبحوا
شبيهين بها. وبالمحاكاة، والدول تكون عقلانية بالمحاكاة عقلانية حيث تميل
إلى احترام أخلاق المنظومة وقواعدها كاندماج الاتحاد السوفييتي في المنظومة
الدولية مع أنه نتاج ثورة بلشفية امبريالية ثورية.[viii]
3 ـ يتم
توزيع الموارد داخل المنظومة حسب الأقطاب أو القوى الكبرى. وبالتالي فإن
والتز يميز المنظومة الوحيدة القطب، وهو هنا لا يستفيض كثيراً لأن ما يدور
بداخلها حاسم بالنسبة لها، عن المنظومة ثنائية القطب أو متعددة
الأقطاب[ix].
انطلاقاً من هذه العناصر الثلاثة، يمكننا استخلاص الانسجامات في سلوك الدول داخل المنظومة:
1 ـ الحرب ظاهرة عادية بسبب مبدأ "اللهم نفسي"..
2
ـ هناك استقلال للسياسة الدولية وفي الوقت نفسه ترابط بين السياسة الوطنية
لوحدات المنظومة لأن البنية الدولية تحدد التعاون بسبب مأزق الأمن
بالإضافة إلى مسألة الفائدة النسبية والأمن نفسه الذي يضع حداً للترابط
المقبول.
3 ـ بما أن الدولة لا تهتم إلا بنفسها. فلا أحد يهتم بتغير البنية؛
4
ـ المنظومة الفوضوية لها فضائلها الخاصة بها. حيث يؤدي إلى استخدام القوة
إلى الحدّ من المداورات manipulation واعتدال المطالب وتشجيع البحث عن
الحلول الديبلوماسية. الواقعية السياسية realpolitik أو المصلحة العليا
للدولة Raison d’état هو العنصر الأساسي في رؤية والتز المنظومية. وتقوم
الواقعية السياسية على قاعدة أن للدول مصالح (البقاء في الدرجة الأولى
ومصالح أخرى تتعلق بالظروف) تخضع لقيود سببها المنظومة الدولية وهي دول
عقلانية في مساعيها. بعد هذا يمكننا قياس نجاح سياسة ما من خلال قياس
الحفاظ على الدول وتعزيز وجودها.
5 ـ توازن القوى: ويتطلب تحقيق
شرطين، إما أن تبقى الدول في حالة فوضى أو إرادتها في البقاء ضمن المنظومة.
وهنا نشير إلى هذا التوازن من شأنه أن يتحقق في غياب النية لتوفيره. أي
يمكنه أن ينشأ بشكل آليّ كما هو الحال اليوم في أفغانستان. وقد نشأ هذا
التوازن بوسيلتين الأولى داخلية والثانية خارجية..
6 ـ يقف والتز
ضد الرؤية الاتفاقية التي ترى أن المنظومة المتعددة الأقطاب يمكن أن تكون
أكثر استقراراً من المنظومة ذات القطبين. فمرونة الأولى تسمح بإعادة
التوازن لما لها من سرعة جوهرية لاسيما إذا اختارت دولة ما من نوع "بيضة
القبان" أن تتبع سياسة توازن القوى… لكن والتز يرى أن المرونة تؤدي إلى
ازدياد الريبة وإمكانية الوقوع في حساب خاطئ. أما الثنائية القطبية فتتيح
خفض الريبة والحفاظ على الوضع الراهن المراد بطبيعة الحال، من قبل القوى
الكبرى المتخاصمة. وإذا وجد مزيد من أخطار النزاعات في عالم متعدد الأقطاب
فإن نتائج النزاع ستكون أشد خطورة على العالم..
2 ـ 3 ـ كيف نحلل الواقعية السياسية:
سنستشهد
هنا بمقالة توماس كريستينسن T.Christensen حول الواقعية السياسية الصينية
Chinese Realpolik وسنحتفظ في ذاكرتنا بالانسجامات كما نبرز الواقعية
السياسية المذكورة أعلاه، كريستينسن ينطلق من مفهومه الواقعي الذي يقول أنه
عثر عليه في السياسة الخارجية الصينية الحالية. وتبعاً لذلك فإن مفاهيم
رجال الدولة الصينية هي مفاهيم واقعية تماماً بالمعنى الكلاسيكي للعبارة.
ويسوق كريستينسن سلسلة من التحليلات التي يمكن استنتاجها من مأزق الأمن
الخاص بالصين؛
1 ـ الشبهات الناجمة عن هذا النزاع جعلت الصين تتعلق
بمفاهيم وآمال قادتها للجوء إلى استقطابات رفعت عندها عدم الشعور بالأمن
عند الآخرين..
2 ـ ارتبط الموقف الصيني إزاء اليابان بالمفهومين
الواقعي والتاريخي، وقد اهتم كريستينسن بهذا التمييز. فسعت الصين من خلال
وسائل داخلية، إلى موازنة Balancing تهديد اليابان في المنطقة لتحقيق توازن
في القوى. ولجأت إلى الطريقة نفسها إزاء الولايات المتحدة وروسيا. المكون
الثاني لتحليل هذه العلاقات الصينية ـ اليابانية هو المكون التاريخي. وهو
مكون يبتعد عن المفهوم الواقعي الجديد لكنه غالباً ما يستخدم في الدراسات
الواقعية. وبالتالي فإن الصين تتذكر الاحتلال الياباني خلال مختلف الحروب
التي وقعت بين البلدين لاسيما حرب الثلاثينات والأربعينات. ولا تزال هذه
الحرب الأخيرة أكثر حضوراً في الأذهان اليابانية من حرب كوريا هذه الأسباب
التاريخية هي التي جعلت الإحساس بالتهديد الياباني أهم من تهديد الولايات
المتحدة مع أن الولايات المتحدة. من الناحية الموضوعية، قوية كاليابان،
عسكرياً في تلك المنطقة إن لم تكن أكثر قوة منه. ويشير كريستينسن أيضاً إلى
أهمية تايوان في سياسة الصين الخارجية. فالصين تعارض استقلال تايوان
قانونياً jure de حتى لو كان هذا الاستقلال متحققاً بالفعل. وهكذا، فإن
موقف الصين. إزاء جارها يرتبط بالمفهوم الواقعي وبالتاريخ للوهلة الأولى،
يرى كريستينسن أن التحليل الواقعي المحض لا يستطيع تفسير إرادة إعادة
التوحيد هذه. ومع هذا فالسيد ألان لا يتفق معه. فهو أي ألان، يقدر أن مفهوم
المصلحة الوطنية، التي تنطوي عليه الواقعية يفسر هذه الإرادة. الحقيقة أن
المصلحة الوطنية تسعى للحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى سلامة الأراضي من
الوجهة التاريخية،، وهنا تقع محاجة كريستينسن على صعيد الوحدات، تبرر
الوطنية الصينية إرادة إعادة التوحيد هذه، لأن الحزب الشيوعي الصيني،
برأيه، "التجأ" إلى التبرير الوطني بعد أن فقد أي مبرر أيديولوجي..
4
ـ أخيراً، يحلل كريستينسن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، أي البقاء
في اليابان من أجل البقاء في المنطقة للإمساك باليابان في الوقت نفسه، لكي
لا تدعم استقلال تايوان حتى لو كان قانونياً D ejure..
2 ـ 4 ـ بنية المنظومة الدولية ونهاية الحرب الباردة. ومستقبلنا والسلام:
سنضرب
مثالاً على ذلك التحليل الواقعي الجديد الذي قام به ميرشيمر Mearsheimer
عام 1990 حول مستقبل أوروبا. يقوم السيناريو الأساسي لتحليله على افتراض
انتهاء الحرب الباردة تماماً وعلى الانسحاب الشامل للقوات الأميريكية
والسوفيتية من أوروبا. ويذكّر بأن تفكيك الاتحاد السوفيتي سيشكل خطراً
وعاملاً كبيراً في عدم الاستقرار وسيؤدي هذا الوضع إلى تفاقم الأزمات
الكبرى واحتمالات نشوب الحروب لأسباب عدة:
أولاً ـ لأن المنظومة
المتعددة الأقطاب أقل استقراراً نظراً لازدياد الثنائيات[x]. وتزايد
العلاقات بين الدول في المنظومة الدولية وعدم تناظر السلطات الممكنة، وسوء
حسابات التوترات والسلطة.
ثانياً ـ لأن هناك تغير في طبيعية القوة العسكرية. ويقترح ميرشيمر أربعة سيناريوهات تقوم على الردع النووي:
1 ـ نزع السلاح النووي من أوربا. وهذا لا يتوقعه لأنه أمر غير معقول وهو على أية حال. خطير لأن الردع النووي يرسّخ العلاقات الدولية
2
ـ الإبقاء على الوضع الراهن. لكن هذا من شأنه [xi]أن يثير عدداً من الدول
مثل ألمانيا أو دول الشرق، كما يمكنه أن يثير رد فعل تصعيدي إزاء امتلاك
بلدانهم للسلاح النووي، أي لجوئها لاتخاذ إجراءات داخلية مناهضة لتهديد
الدول الأخرى المالكة للأسلحة النووية؛
3 ـ تكاثر نووي بين يدي إدارة سيئة. وهذا قد يسبب زيادة في إمكانية حدوث نزاعات في أوروبا.
4 ـ تكاثر نووي بين يدي إدارة جيدة يترافق بسياسة توازن للقوى تقودها بعض الدول.
هذا
هو الحل الذي يقترحه ميرشيمر. وهو يعني بالنسبة له تزويد ألمانيا بالسلاح
النووي وعلى الولايات المتحدة وبريطانيا أن تقوما بهذا الد
يحي سباع- الإدارة العامة
- عدد المساهمات : 339
تاريخ التسجيل : 11/06/2016
مواضيع مماثلة
» مقياس النظرية في العلاقات الدولية- النظرية النيوواقعية في حقل العلاقات الدولية
» نظرية العلاقات الدولية بين النظرية والواقع
» نظريات التكامل السياسي
» مقياس الإتصال و العلاقات العامة
» العلاقات العربية -التركية :بداية موفقة
» نظرية العلاقات الدولية بين النظرية والواقع
» نظريات التكامل السياسي
» مقياس الإتصال و العلاقات العامة
» العلاقات العربية -التركية :بداية موفقة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى