الحكم الراشد ومشكلة بناء قدرات الإدارة المحلية في الجزائر
صفحة 1 من اصل 1
الحكم الراشد ومشكلة بناء قدرات الإدارة المحلية في الجزائر
|
يحي سباع- الإدارة العامة
- عدد المساهمات : 339
تاريخ التسجيل : 11/06/2016
رد: الحكم الراشد ومشكلة بناء قدرات الإدارة المحلية في الجزائر
وما يعمق من شعور المواطنين بتفشي الفساد في الأجهزة الإدارية المحلية هو أن الخطاب الرسمي لم ينفك بالإعتراف بالفساد، و الوعود بالقضاء عليه، و لكن من دون جدوى، فاقتصرت حملات المكافحة على التضحية أحيانا ببعض الكوادر الإدارية الولائية والوزارية كوسيلة لإمتصاص الغضب، مما يشكل إعترافا حكوميا ضمنيا بإنتشار الفساد وتغلغله في رموز الحكم نفسه. إذ جاء في نص خطاب رئيس الجمهورية الموجه للأمة: «... إن الدولة مريضة معتلة، إنها مريضة في إدارتها، مريضة بممارسة المحاباة، مريضة بالمحسوبية، والتعسف بالنفوذ والسلطة، وعدم جدوى الطعون والتظلمات، مريضة بالإمتيازات التي لا رقيب لها ولا حسيب، مريضة بتبذير الموارد العامة، و نهبها بلا ناه ولا رادع، كلها أعراض أضعفت الروح المدنية لدى الأفراد والجماعات، وأبعدت القدرات.... وهجرت الكفاءات، ونفرت أصحاب الضمائر الحية، والإستقامة، وحالت بينهم، وبين الإسهام في تدبير الشؤون العامة، وشوهت مفهوم الدولة، وغاية الخدمة العمومية ما بعده تشويه... « (15).
كذلك ما يعزز إدراك المواطن بوجود الفساد على مستوى الإدارة العامة بشكل عام والمحلية بشكل خاص، هو تردي واقع هذه الإدارة، و التي كانت في حد ذاتها هدفا لعمليات الإصلاح الإداري، إذ سنت ترسانة من القوانين لإصلاح الإدارة المحلية منذ الإستقلال إلى اليوم ، من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في فعالية هذا الجهاز، خاصة عندما قامت الدولة بمراجعة سياساتها الإقتصادية حيث سنت ترسانة من القوانين والتشريعات الجديدة ،و تخصيص أموال هائلة للإستثمار في ظل غياب المراقبة الفعالة للمال العام. كلها أسباب ساهمت في إنتشار الفساد الموجود في إدارة الدولة، والتي هيأت الوضع لإنتشار الفساد الكبير، خاصة سياسات الخصخصة التي شجعت عليها المؤسسات المالية الدولية، والتي خلقت طبقة جديدة من المقربين من مراكز القرار، و من ذوي المصالح المشتركة.
فعلى الرغم من وجود دوافع القوى الداخلية و الخارجية لإحداث التغيير في السياسات والقوانين حتى تتماشى والتحولات الإجتماعية الكبرى، إلا أن بيئة الإدارة المحلية ما زالت تعتمد في تعاملها مع البيئات الأخرى الإجتماعية والإقتصادية بالإرث الإداري والتنظيمي الموروث، وسلوك القيادة البيروقراطية ما زال يستند على الأسلوب التقليدي القائم على سد الثغرات، و إتخاذ شكل رد الفعل في التعامل مع الأوضاع الجديدة. عوض الإعتماد على مدخل إدارة التغيير. كل هذا أنتج الرداءة و الفساد لواقع الإدارة المحلية، هذا الواقع الذي يتلخص في:
1 ـ غياب المخطط الهيكلي العام، وعدم وضوح السياسات العامة للإدارة المحلية، مما أنتج إزدواجية
وتضاربا بين المسؤوليات أدّيا إلى تكبيـل الجهاز الإداري .
2 ـ تضخم حجم العمالة في الوحدات المحلية وانخفاض مستوى أدائها، ومن شأن هذا أن يعقد الإجراءات الإدارية، و يضعف التواصل مع المواطنين، بالإضافة إلى كونه يعد هدرا لموارد الدولة.
3 ـ عدم المساواة و تكافؤ الفرص الناتج عن المحسوبية و الوساطة، و عدم وضع المواطن في صلب إهتمام الإدارة.
4 ـ ضعف التدريب الإداري و عدم إنتظامه.
5 ـ تسييس موظفي الجهاز الإداري المحلي، الأمر الذي أدى إلى ضعف إهتماماتهم بتنمية قدراتهم ومعارفهم الإدارية.
6 ـ الإعتماد على الحلول المعدة مسبقا، و تقبل كل ما هو جديد دون مراجعة تجديد، ودون إعتبار الإختلاف في الظروف والبيئة الثقافية والإجتماعية والسياسية و الإقتصادية. لذلك لا بد من توفير الأصالة التي لا تستغني في جوهرها عن الإبتكارInnovation وعن الخلق و الإبداع Creativity لأن الإبتكار والإبداع عنصرا الأصالة، وهما في جوهرهما يشكلان توليد التجديد في ضوء الظروف والمستجدات البيئية.
7 ـ بطئ حركة القوانين والتشريعات، وغياب المعايير العلمية مقارنة بالتغيرات والتطورات المجتمعية والعالمية والإدارية.
8 ـ عدم القدرة على تغيير السلوك والقيم السلبية نتيجة وجود قوى تقاوم التغيير، الأمر الذي أدى إلى شيوع الفساد في الوسط الإداري المحلي، وغلبة المصالح الشخصية على المصالح العامة و ضعف الرقابة الإدارية.
9 ـ إخفاء حقيقة الإخفاقات وعدم الإعتراف بالمشكلات أمام الرأي العام، و هذا الإخفاء يعتبر عاملا سلبيا في وجه برامج و خطط و إستراتيجيات محاربة الفساد.
10ـ إنتشار المظاهر السلبية في المؤسسات الإدارية المحلية، نتيجة إنحسار المد القيمي الأخلاقي وتحلل العاملين فيها من القيم المهنية والأخلاق الوظيفية التي توجه سلوكهم وتحكم قراراتهم وترشد تصرفاتهم الرسمية وغير الرسمية.
11ـ التهرب من المسؤولية، وانتشار أساليب الإتكال ، والتهرب من الواجبات لإعتقادهم بأنهم يعملون، وغيرهم يجني الثمار، وهذا ما يؤدي إلى إنعدام روح المبادرة و الإبتكار.
12 ـ الظاهرة الأخرى التي لا تقل خطورة عن سابقتها تتمثل في إسهام العديد من المؤسسات الإدارية المحلية في التخفيف من وطأة القيم الإيجابية الأصيلة المستمدة من التراث الحضاري للأمة، والتواطؤ مع الممارسات السلوكية الشاذة والمنحرفة التي تقترفها العناصر الضعيفة التي إستطاعت أن تقفز إلى المواقع القيادية بأساليب ملتوية و غير مشروعة (17). إن شيوع هذه الممارسات ما هو إلا إستمرار لقيم متأصلة و مكتسبة من ثقافة إدارية إستعمارية من جهة، وإلى عدم تجديد الإدارة وتحديثها من جهة ثانية، إضافة إلى ذلك الفراغ السياسي والإيديولوجي الذي تمر به البلاد حاليا إذ أن غياب العامل السياسي والإيديولوجي الذي يستطيع فرض رقابة شديدة على البيروقراطية ويوجهها ليجعل هذه الأخيرة تتحرك في نوع من الفراغ الجزئي.
13ـ غياب الرقابة الفعالة في الإدارة المحلية الجزائرية أدى إلى تفشي الظواهر السلبية للبيروقراطية كالفساد الإداري، والرشوة، والمحسوبية، والوصولية، والتحايل على القوانين، والغيابات غير الشرعية، وإحتقار العمل كقيمة حضارية.
14ـ التناقض الكبير بين الوضع الرسمي والواقع، ويتجلى هذا في الظهور بما يجب أن تكون عليه الأمور خلافا لما هو عليه الواقع . والغريب أن يتم إخفاء هذه الفجوة بين التوقعات و الحقائق عن طريق إصدار القوانين التي لا يتم تطبيقها، والعمل بتنظيمات تتعلق بشؤون التوظيف، ولكن يتم تجاوزها، والإعلان عن تفويض صلاحيات إدارية مع إبقاء رقابـة المركز محكمة، و حصر حق إتخاذ القرارات فيه، وإصدار التقارير بأن النتائج قد حققت الأهداف المرجوة بينما الحقيقة أن النتائج لم تتحقق إلا جزئيا.
15ـ تجاهل دور المجالس الشعبية المحلية في حل قضايا أساسية مثل البطالة، وتنظيم الأسرة، ومحو الأمية، وحماية البيئة...
وعليه، فإن مع إقتران هذا الكم الهائل من المظاهر السلبية للأجهزة الإدارية المحلية بضعف أجهزة الرقابة و المساءلة في المجالس الشعبية المنتخبة. ومع إنتشار الفساد والمفسدين، فإن العمل الشريف الجاد يفقد قيمته بل إن القانون نفسه يفقد هيبته وإحترامه. ذلك أن بترسّخ الفساد فإنه يعمل على حماية نفسه و ذلك بإبقاء كل الهياكل التي أنتجته على حالها ، فلا تغيير في القوانين ولا تعديل في اللوائح ولا تطوير في السياسات ، لذلك نجد أن المسؤولين المحليين غير مبالين بالتغيير و ذلك ضمان لإستمرار مناخ وثقافة الفساد اللذان يضمنان لهم إستغلال النفوذ . هذه الثقافة التي ترسخت في المجتمع الجزائري عامة، والجهاز الإداري خاصة ما تزال تتسع دائرتها، و تتشابك حلقاتها، وتترابط آلياتها بدرجة لم يسبق لها مثيل من قبل، الأمر الذي أصبح يهدد مسار العمل التنموي السياسي والإداري ومستقبل المجتمع الجزائري في الصميم.
لعل حجم مشكلة الفساد في الأجهزة الإدارية المحلية الجزائرية، و مخاطر تشعبها وتفاقمها تستدعي تفعيل آليات لمحاصرة الظاهرة والقضاء على تداعياتها السلبية على عملية بناء قدرات الإدارة المحلية، وفق إستراتيجية شاملة واضحة متكاملة بعيدة المدى، وليس إجراءات ظرفية قائمة على التغيير الشكلي والتي تكون أقرب إلى إدارة الفساد.
رابعا : إستراتيجية بناء قدرات الإدارة المحلية و تقليص الفساد :
وحتى يتم التصدي لهذه المشكلات لا بدّ من إستراتيجية بديلة لإصلاح الإدارة المحليــــة لدعم
التنمية و تقليص مظاهر الفساد. هذه الإستراتيجية (16) التي ينبغي أن لا تتعاطى مع موضوع فساد الأجهزة الإدارية في الجزائر بصورة ردة فعل (Reactive)، وبالتالي كأمر يجب محاربته و معاقبة المفسدين (Corrective Approach) ، وإنما أن تتعاطى مع الموضوع بصورة إستباقية Proactive)) عبر معالجة أسباب، و عوامل تأخير، وتعطيل، وفساد أجهزة الإدارة في الجزائر(Preventive Approach ) و ذلك من أجل الوصول إلى ترشيد سلوك قيادتها،وبناء عامل ثقة المواطنين فيها.هذه الإستراتيجية المستهدفة للوصول لدعم التنمية ومحاربة الفساد الإداري تقوم على أساس توفر قيادات إدارية محلية كفؤة تتناسب و الوظائف القيادية العليا ، و التي تتميز بالخصائص التالية :
ـ القدرة على إستيعاب التنمية وتحدياتها، وحل التناقضات التي تنشأ بين الأطراف المختلفة خلال عملية التغيير لبعض الأطراف، وفك التحالفات المقاومة للإصلاح، و كسر حدة المقاومة من قبل العناصر التي تبدي مقاومة للتغيير أو إستمالة هذه العناصر. فهذه مهام تعتبر القيادة مؤهلة للقيام بها مما لا يتاح لغيرها من الأطراف.
ـ القدرة على تحديد الأهداف وتحديد السياسات والإجراءات بوضوح، ودراستها دراسة جيدة تعتمد على التحليل و المقارنة، حتى تكون أهدافا قابلـة للتحقيق دون أن يترتب عليها إستنزاف القدرات والطاقات المحلية في مجالات عديمة الفائدة. فوضوح الأهداف يساعد على توجيه الجمهور والطاقات والإمكانيات المتوفرة.
ـ القدرة على الحركة و المبادأة و الإبتكار ومواجهة المواقف والتغيرات التنظيمية أو التكنولوجية أو البشرية، و كذلك القدرة على مواجهة الأزمات.
ـ القدرة على إتخاذ القرارات الموضوعية، و ذلك من خلال إنتهاج المعرفة العلمية في إتخاذ القرارات، و الإبتعاد عن العشوائية، و العمل على حدود قدرات التنظيم البشرية و التنظيمية و المادية .
ـ القدرة على التنفيذ بكفاءة وفعالية، والمهارة على بلورة السياسات وتحديد الأهداف ضمن القدرات المتوفرة، والقدرة على ترجمة السياسات إلى الواقع العملي، والقدرة على حشد الطاقات للوصول إلى الأهداف المنشودة (18).
ومن هذا فإن الجزائر بحاجة إلى إستراتيجية بديلة لتنمية الإدارة المحلية وبناء قدراتها حتى تكون مكملة ومتفاعلة مع نسقها الكلي المتمثل في التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة، وهذا لا يكون إلا بإصلاحات إدارية مستمرة و متجددة مواكبة للتغيرات والتحولات الإجتماعية الكبرى. لذا فأن إصلاح الجهاز الإداري المحلي يجب أن يمثل أحد الأهداف الإستراتيجية ضمن إستراتيجية التنمية الشاملة.
ونظرا لأهمية تنمية الإدارة المحلية، فإنه من الضروري أن تعمل القيادة بإستمرار على تجسيد الإصلاح الإداري الذي يعتبره الأستاذ الدكتور " عمار بوحوش " عملية شاملة تتناول جميع جوانب العملية الإدارية و إجراءاتها و الجوانب السلوكية المرتبطة بها، كالجوانب التنظيمية والإجرائية، والقانونية، وتحسين إجراءات التوظيف، وتطبيق قواعد الجدارة والإستحقاق، وتكافؤ الفرص من أجل الإبتعاد عن المحسوبية بكافة أشكالها، وتطوير خطة ووصف الوظائف وتحليلها (19).
وحتى تحقق هذه التنمية الإدارية فعاليتها ومسايرتها للأوضاع الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية في المجتمع، فإن على المهتمين بها أن يسلكوا سياسات جديدة في عملية الإصلاح الإداري آخذين بعين الإعتبارات جانب تحسين وتطوير برامج التدريب، ووضع قواعد عملية وثابتة لنقل الموظفين، وتطوير سياسة الترقية وإجراءاتها، كما يجب حماية الموظف من بعض الممارسات التي قد يتعرض لها، كالضغوط السياسية من قبل رجال السياسة، أو كبار موظفي الدولة، مما يسبب في ظاهرة إنتهاك الأخلاق الوظيفية.
كما يجب على المهتمين بالإصلاح الإداري وبناء قدرات الإدارة المحلية إعادة النظر في الهياكل التنظيمية الإدارية والنصوص القانونية و التنظيمية التي تضبط هياكل الإدارة المحلية وتحدد أساليب العمل فيها، والإهتمام بالعنصر الإنساني بإعتباره العنصر الأساسي في التنمية الشاملة، و ذلك عن طريق تشجيع الأسلوب الشوري والديمقراطي في الأجهزة الإدارية المحلية، وتطوير النظام الوظيفي على ضوء التغيرات الإجتماعية والإقتصادية، وإتاحة الفرصة للعاملين للمساهمة في إدارة شؤون الإدارة المحلية، وتقديم مقترحاتهم بكل حرية وجرأة مما يشجع على تحسين أساليب العمل الإداري. وهذا حتى يستطيع التنظيم أن يواكب جميع التطورات والتغيرات المستمرة من ناحية، والتخلص من العيوب التنظيمية وتقريب القمة من القاعدة من ناحية أخرى. كل هذا في إطار مشروع شامل يضم كافة المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية في المجتمع.
هذا إلى جانب دعم و تبني القيادة السياسية العليا للإصلاح الإداري في الدولة له، من خلال تبنيها للأهداف والمحاور الرئيسية لخطة الإصلاح و متابعتها وتقييمها للإنجازات المتحققة بشأنها (20). بالإضافة إلى ضرورة العمل على تغيير الحالة الذهنية للموظفين الذين يتصفون باللامبالاة والعزوف والحياد السلبي، وذلك بتوسيع مشاركتهم في إتخاذ القرارات، وإطلاعهم على كل ما يجري من تعديلات وتغييرات تنظيمية، مما يسمح أن تكون لهم الفاعلية في المشاركة في عملية التنمية المحلية. والتحكم في عملية قنوات الإتصال بين القيادة والقاعدة من أجل خلق الثقة والتعاون المتبادل بينهما. والإلتزام بمبدأ وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب، وإحترام شروط التعيين في الوظيفة، وإتباع سياسة واضحة في الترقية، وتوفير الشروط المادية والمالية للقيام بالعمل الإداري الفعال.
كما يجب العمل على التخفيف من المركزية الإدارية، ويتم ذلك بتوسيع نطاق التفويض في الإختصاص، مع تقرير مبدأ القيادة الجماعية لمنع فرض سلطة الرؤساء الإداريين، وتشجيع المجالس الشعبية المحلية المنتخبة على الإسهام بدورها في محاربة البيروقراطية الهجينة. وإعادة النظر في التنظيم الهيكلي للإدارة المحلية وطرق تسييرها، خاصة وأن المجتمع الجزائري يعرف تحولات جوهرية. وبالتالي، فإن عملية إحداث إصلاح في الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري المحلي، عملية تفرضها طبيعة المرحلة التي تعيشها البلاد، لذلك يتوجب تطوير الهيكل التنظيمي للإدارة حتى يواكب الأهداف والأدوار الجديدة. هذا بالإضافة إلى ضرورة الإهتمام بالعنصر القيادي الكفء، وهذا بهدف تحقيق هدفين أساسيين: تقديم وتحسين الخدمة العامة للجمهور المحلي المتعامل معها، وتجنب التضخم البيروقراطي والبطالة المقنعة. وهذا بدوره يتطلب تجديد الهياكل الإدارية وتطعيمها بعناصر إدارية جديدة تواكب التطورات الحاصلة في المجتمع. من هذا يتبين لنا أن أهمية إتخاذ إجراءات إعادة تنظيم الإطارات بإستمرار، تعتبر عملية فعالة وضرورية لرفع الأداء الإداري المحلي وتطويره.
و في الأخير لإحداث تنمية إدارية محلية تتجاوب مع أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، ضرورة إيجاد هيئة عليا للإصلاح الإداري، تقوم برسم وتنفيذ إستراتيجيات الإصلاح الإداري، وتمتلك القدرة اللازمة من أجل إتخاذ القرار الملائم لتحقيق الأهداف المسطرة ضمن إستراتيجية للإصلاح. كما يجب أن تتمتع هذه الهيئة بالتمثيل الكافي والمعبر عن مشاركة جميع قطاعات الإدارة والإطارات العلمية والوطنية، وتتطلب هذه الهيئة تنمية قدراتها الفنية وتوفير الوسائل الضرورية لجمع وتحليل المعلومات لإتخاذ سياسات الإصلاح الإداري وتنفيذها. ولهذا تعتبر عملية إنشاء هيئة عليا للإصلاح الإداري ضرورة ملحة، نظرا للأمراض المكتبية والمشكلات الإدارية التي تتخبط فيها إدارتنا، إذ تعمل هذه الهيئة على التخفيف من حدتها، وتوفير الظروف الملائمة والوسائل الضرورية لبناء إدارة فعالة وقادرة على تحقيق أهداف وطموحات الدولة والمجتمع.
وبناءا على ذلك، حين تتحقق هذه الخطوات الإصلاحية، وتستوعب هذه المنطلقات، فإن تأثيرها يمكن أن يتابع من خلال التطور الذي يتوقع حدوثه في سلوك المنظمات والهيئات الإدارية المحلية، وتصرفات العاملين فيها.
إنطلاقا من ذلك نورد فيما يلي بعض المؤشرات التي يمكن إخضاعها لتقويم هذه النتائج والتي لخصها الأستاذ الدكتور" عامر الكبيسي" فـي النقاط التالية :
1ـ مدى التغيير الكمي و النوعي في الأهداف المحددة للمؤسسات والمنظمات وفي سلم الأولويات التي تعطي لها، ودرجة وضوحها والإيمان بها والإستعداد لتحقيقها.
2ـ مدى التغيير في الوسائل والأساليب التي تعتمدها المؤسـسات ومقارنة ما أحدثته القيم الجديدة في مستويات الكفاءة و الفعالية.
3ـ مدى التغيير والتطور في النظم و السياسات واللوائح، وخاصة تلك الموضحة لتوزيع الصلاحيات ولطرق الإتصال ، والمحددة لحقوق العاملين وواجباتهم .
4ـ مـدى التطور الحاصل في العلاقات التي تربط الأفراد داخل المؤسسات بعضهم ببعض وتلك التي تربطهم مع المتعاملين معهم خارج المؤسسة.
5ـ مدى الزيادة الكمية والتحسن النوعي الناجم في مستوى الإنتاج المتحقق أو الخدمات المقدمة بأقصر وقت وأبسط جهد وأقل تكلفة.
6ـ وأخيرا فإن أهمية النظام القيمي الذي تطمح المؤسسات الإدارية لتبنيه، سيكفل توفير المناخ الوظيفي اللائق، ويوفر للعاملين الأجور القائمة على الإيثار والأمانة والتجرد والموضوعية (21).
خاتمة:
وصفوة القول، تتطلب عملية بناء جهاز إداري محلي فعال ورشيد ليساهم في العملية التنموية السياسية الشاملة و المتوازنة، ضرورة إتخاذ إجراءات حاسمة و جريئة لوضع إستراتيجية بديلة للتنمية الإدارية، وهذا لن يتم ـ حسب تصوري ـ إلا بتأصيل الإدارة والإنطلاق من فهم الأبعاد الحضارية والبيئية للمجتمع الجزائري. هذا إذا علمنا أن الإدارة في الدول المستضعفة هي إدارة مقلدة في نظامها وقوانينها للغرب، ويشمل التراث الإداري الفرنسي مظهرا مستمرا في تأثيره على النظام الإداري الجزائري، الذي لم يتخلص بعد من ظاهرة التبعية الثقافية والقانونية والإدارية. ولم يتجنب بعد أسلوب "العلاج بالمثل" Homéo Pathic الذي يجعله مجرد جهاز إداري تابع ومستغل ومتغرب عن المجتمع. خصوصا وأننا نعلم " أن الغرب اليوم و أكثر من أي وقت، يريد لنا غير ما نريده لأنفسنا، نحن نريد الحداثة، وهو يريد لنا التحديث، نحن نريد السيادة على أرضنا، وهو يجبرنا على قبول التبعية، نحن نصبو إلى التحرر والوحدة، وهو يفرض علينا الدكتاتورية بإسم الديمقراطية وحقوق الإنسان " (22).
من هذا فإن أول عمل يجب القيام به هو توفير المناخ العام الملائم لتطبيق الإصلاحات، الأمر الذي يستلزم إعادة النظر في بناء وأداء الجهاز الإداري حتى يواكب التحولات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقـافية العميقة، ذلك أن أي محاولة لإصلاح الجهاز الإداري المحلي تتم بمعماوال عن هذه التحولات و التأثيرات البيئية محكوم عليها بالفشل. لذا يجب على مخططي التنمية وبناء قدرات الإدارة المحلية الإستفادة من الأخطاء السابقة، ودراسة الواقع الإجتماعي، ومراعاة العوامل البيئية المحيطة بالإدارة.
إذا، فالبيئة الإدارية هي جزء لا يتجزأ من البيئة السياسية والإجتماعية والإقتصادية و الثقـافية، وأي خلل فيها سيؤدي حتما ـ بحكم التجارب ـ إلى الفشل والإخفاق في العملية التنموية السياسية الشاملة، مما يستلزم على صانعي القرارات الإستراتيجية أن ينظروا إلى العامل البيئي بعين الإعتبار، لا على المستوى الداخلي المحلي والوطني فقط، بل وعلى المستوى الخارجي الدولي، خاصة ونحن في عصر التكتلات الدولية والصراعات الحضارية والسيطرة على المؤسسات والمنظمات المالية والإدارية والثقافية الدولية.
هوامش الدراسة:
(1) ـ عبد المحسن محمد الرشود، الإدارة المحلية في المملكة العربية السعودية، الرياض: دار الشبل للنشر والتوزيع، 1419هـ، ص36.
(2) ـ المؤتمر العربي الثالث حول الإدارة المحلية، القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 10ـ14 أبريل 2005، ص 198.
(3) ـ أحمد رشيد، التنمية المحلية، القاهرة: دار النهضة العربية، 1989، ص 18.
(4) ـ أحمد رشيد، نظام الحكم والإدارة، الإسكندرية: دار المعارف، 1989، ص 32.
(5) ـ إذا كان مفهوم الحكم ( Governance ) مفهوما محايدا، و قديم قدم ظاهرة الحكم في التاريخ البشري، إذ يعبّر عن ممارسة السلطة السياسية و إدارتها لشؤون المجتمع، و موارده، وتطوره الإقتصادي و الإجتماعي. و مشاركة آليات و مؤسسات رسمية و غير رسمية في صنع القرارات أو في التأثير فيها. فإن مفهوم الحكم الصالح ( Good Governance ) أو الجيد أو الرشيد مفهوم قيمي لإدارة السلطة للحكومة والمجتمع بإتجاه تطويري تنموي تقدمي، يُِنتسب إلى أجهزة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي. ولعل البنك الدولي World Bank » « هو أول من إستخدم هذا المصطلح عام 1989 في تقرير له حول أساليب الحكم و الإدارة في إفريقيا جنوب الصحراء. ومنذ ذلك الحين شاع إستخدامه في الدوائر الأكاديمية الغربية والعالمية. من هذا يظهر أن هذا المصطلح قد تم تصنيعه خصيصا للبلدان المستضعفة، ليكون مقياسا لديها في منح القروض والهبات، على أن تبقى تلك الأجهزة صاحبة الحكم في تقويم من هو صالح ومن هو غير صالٍح، بما ينسجم مع مصالحها ومصالح الدول المهيمنة عليها. وبالتالي ليس هذا المصطلح محايدا ويكفي الشك به بالنظر إلى طريقة صناعته ووظيفته، بينما يمثل تعبيرا مبهما لقضية واضحة هي قضية التنمية السياسية والديمقراطية.
كما تجدر الإشارة أن هذا المصطلح الذي تلقفه الباحثون العرب قد إختلفوا بشأنه كمفهوم، كما إختلفوا على تعريبه، بحيث ترجم إلى اللغة العربية إلى العديد من الكلمات مثل "إدارة الحكم"، "الإدارة المجتمعية "، والمحكومية"، و"الحاكمية"، و"الحوكمة"، و"الحِكمانِية"، ويستخدم البعض الآخر مصطلح "إدارة شئون الحكم"، ويجتهد نفر ثالث من الباحثين فيعبر عن المفهوم بمصطلح "الحكم الموسع"، أو بـ "إدارة الحكم".أنظر:
ـ زهير عبد الكريم الكايد، الحِكْمانِية قضايا وتطبيقات، القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 2003، ص 9.
ـ سلوى شعراوي جمعة وآخرون، إدرة شؤون الدولة و المجتمع، جامعة القاهرة، كلية الإقتصاد و العلوم السياسية: مركز دراسات و إستشارات الإدارة العامة، 2001، ص 10.
(6) ـ للإشارة أن مفهوم الحكم الصالح قد ترافق مع تطوير مفاهيم التنمية. فلقد تغيرت مفاهيم التنمية من التركيز على النمو الإقتصادي إلى التركيز على التنمية البشرية ثم التنمية البشرية المستدامة، أي الإنتقال من الرأسمال البشري إلى الرأسمال الإجتماعي، وصولا إلى التنمية الإنسانية. و قد ركزت تقارير التنمية البشرية التي بدأ برنامج الأمم المتحدة بإصدارها منذ العام 1990 على مفهوم نوعية الحياة ، و على محورية الإنسان في العملية التنموية ، ويعود السبب في ذلك أن النمو الإقتصادي لبعض البلدان لم يترافق مع تحسين عيش أغلبية السكان. ذلك أن ليس بالضرورة تحسن الدخل القومي يؤدي تلقائيا إلى تحسين نوعية الحياة للمواطنين. وإستنادا على هذا فإن الحكم الصالح يهدف إلى بناء نظام إجتماعي عادل عبر تمكين الفئات المهمة، والمشاركة الفعالة للمواطنين و توسيع خياراتهم و إمكاناتهم. وهذا ما سماه تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002 بالتنمية الإنسانية. أنظر:
ـ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي و الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي، تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002: خلق الفرص للأجيال القادمة، نيويورك: البرنامج، المكتب الإقليمي للدول العربية، 2002، ص 16 ـ 17.
(7) ـ حسن العلواني، "اللامركزية في الدول النامية من منظور أسلوب الحكم المحلي الرشيد"، في كتاب: مصطفى كامل السيد، الحكم الرشيد و التنمية في مصر، القاهرة: مركز دراسات و بحوث الدول النامية، 2006، ص 78.
(Cool ـ كمال المنوفي وآخرون، الإصلاح المؤسسي بين المركزية واللامركزية، القاهرة: مركز دراسات واستشارات الإدارة المحلية، 2001، ص 71.
(9) - Bertelsmann Fondation, Democracy and Efficiency in Local Government ,
كذلك ما يعزز إدراك المواطن بوجود الفساد على مستوى الإدارة العامة بشكل عام والمحلية بشكل خاص، هو تردي واقع هذه الإدارة، و التي كانت في حد ذاتها هدفا لعمليات الإصلاح الإداري، إذ سنت ترسانة من القوانين لإصلاح الإدارة المحلية منذ الإستقلال إلى اليوم ، من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في فعالية هذا الجهاز، خاصة عندما قامت الدولة بمراجعة سياساتها الإقتصادية حيث سنت ترسانة من القوانين والتشريعات الجديدة ،و تخصيص أموال هائلة للإستثمار في ظل غياب المراقبة الفعالة للمال العام. كلها أسباب ساهمت في إنتشار الفساد الموجود في إدارة الدولة، والتي هيأت الوضع لإنتشار الفساد الكبير، خاصة سياسات الخصخصة التي شجعت عليها المؤسسات المالية الدولية، والتي خلقت طبقة جديدة من المقربين من مراكز القرار، و من ذوي المصالح المشتركة.
فعلى الرغم من وجود دوافع القوى الداخلية و الخارجية لإحداث التغيير في السياسات والقوانين حتى تتماشى والتحولات الإجتماعية الكبرى، إلا أن بيئة الإدارة المحلية ما زالت تعتمد في تعاملها مع البيئات الأخرى الإجتماعية والإقتصادية بالإرث الإداري والتنظيمي الموروث، وسلوك القيادة البيروقراطية ما زال يستند على الأسلوب التقليدي القائم على سد الثغرات، و إتخاذ شكل رد الفعل في التعامل مع الأوضاع الجديدة. عوض الإعتماد على مدخل إدارة التغيير. كل هذا أنتج الرداءة و الفساد لواقع الإدارة المحلية، هذا الواقع الذي يتلخص في:
1 ـ غياب المخطط الهيكلي العام، وعدم وضوح السياسات العامة للإدارة المحلية، مما أنتج إزدواجية
وتضاربا بين المسؤوليات أدّيا إلى تكبيـل الجهاز الإداري .
2 ـ تضخم حجم العمالة في الوحدات المحلية وانخفاض مستوى أدائها، ومن شأن هذا أن يعقد الإجراءات الإدارية، و يضعف التواصل مع المواطنين، بالإضافة إلى كونه يعد هدرا لموارد الدولة.
3 ـ عدم المساواة و تكافؤ الفرص الناتج عن المحسوبية و الوساطة، و عدم وضع المواطن في صلب إهتمام الإدارة.
4 ـ ضعف التدريب الإداري و عدم إنتظامه.
5 ـ تسييس موظفي الجهاز الإداري المحلي، الأمر الذي أدى إلى ضعف إهتماماتهم بتنمية قدراتهم ومعارفهم الإدارية.
6 ـ الإعتماد على الحلول المعدة مسبقا، و تقبل كل ما هو جديد دون مراجعة تجديد، ودون إعتبار الإختلاف في الظروف والبيئة الثقافية والإجتماعية والسياسية و الإقتصادية. لذلك لا بد من توفير الأصالة التي لا تستغني في جوهرها عن الإبتكارInnovation وعن الخلق و الإبداع Creativity لأن الإبتكار والإبداع عنصرا الأصالة، وهما في جوهرهما يشكلان توليد التجديد في ضوء الظروف والمستجدات البيئية.
7 ـ بطئ حركة القوانين والتشريعات، وغياب المعايير العلمية مقارنة بالتغيرات والتطورات المجتمعية والعالمية والإدارية.
8 ـ عدم القدرة على تغيير السلوك والقيم السلبية نتيجة وجود قوى تقاوم التغيير، الأمر الذي أدى إلى شيوع الفساد في الوسط الإداري المحلي، وغلبة المصالح الشخصية على المصالح العامة و ضعف الرقابة الإدارية.
9 ـ إخفاء حقيقة الإخفاقات وعدم الإعتراف بالمشكلات أمام الرأي العام، و هذا الإخفاء يعتبر عاملا سلبيا في وجه برامج و خطط و إستراتيجيات محاربة الفساد.
10ـ إنتشار المظاهر السلبية في المؤسسات الإدارية المحلية، نتيجة إنحسار المد القيمي الأخلاقي وتحلل العاملين فيها من القيم المهنية والأخلاق الوظيفية التي توجه سلوكهم وتحكم قراراتهم وترشد تصرفاتهم الرسمية وغير الرسمية.
11ـ التهرب من المسؤولية، وانتشار أساليب الإتكال ، والتهرب من الواجبات لإعتقادهم بأنهم يعملون، وغيرهم يجني الثمار، وهذا ما يؤدي إلى إنعدام روح المبادرة و الإبتكار.
12 ـ الظاهرة الأخرى التي لا تقل خطورة عن سابقتها تتمثل في إسهام العديد من المؤسسات الإدارية المحلية في التخفيف من وطأة القيم الإيجابية الأصيلة المستمدة من التراث الحضاري للأمة، والتواطؤ مع الممارسات السلوكية الشاذة والمنحرفة التي تقترفها العناصر الضعيفة التي إستطاعت أن تقفز إلى المواقع القيادية بأساليب ملتوية و غير مشروعة (17). إن شيوع هذه الممارسات ما هو إلا إستمرار لقيم متأصلة و مكتسبة من ثقافة إدارية إستعمارية من جهة، وإلى عدم تجديد الإدارة وتحديثها من جهة ثانية، إضافة إلى ذلك الفراغ السياسي والإيديولوجي الذي تمر به البلاد حاليا إذ أن غياب العامل السياسي والإيديولوجي الذي يستطيع فرض رقابة شديدة على البيروقراطية ويوجهها ليجعل هذه الأخيرة تتحرك في نوع من الفراغ الجزئي.
13ـ غياب الرقابة الفعالة في الإدارة المحلية الجزائرية أدى إلى تفشي الظواهر السلبية للبيروقراطية كالفساد الإداري، والرشوة، والمحسوبية، والوصولية، والتحايل على القوانين، والغيابات غير الشرعية، وإحتقار العمل كقيمة حضارية.
14ـ التناقض الكبير بين الوضع الرسمي والواقع، ويتجلى هذا في الظهور بما يجب أن تكون عليه الأمور خلافا لما هو عليه الواقع . والغريب أن يتم إخفاء هذه الفجوة بين التوقعات و الحقائق عن طريق إصدار القوانين التي لا يتم تطبيقها، والعمل بتنظيمات تتعلق بشؤون التوظيف، ولكن يتم تجاوزها، والإعلان عن تفويض صلاحيات إدارية مع إبقاء رقابـة المركز محكمة، و حصر حق إتخاذ القرارات فيه، وإصدار التقارير بأن النتائج قد حققت الأهداف المرجوة بينما الحقيقة أن النتائج لم تتحقق إلا جزئيا.
15ـ تجاهل دور المجالس الشعبية المحلية في حل قضايا أساسية مثل البطالة، وتنظيم الأسرة، ومحو الأمية، وحماية البيئة...
وعليه، فإن مع إقتران هذا الكم الهائل من المظاهر السلبية للأجهزة الإدارية المحلية بضعف أجهزة الرقابة و المساءلة في المجالس الشعبية المنتخبة. ومع إنتشار الفساد والمفسدين، فإن العمل الشريف الجاد يفقد قيمته بل إن القانون نفسه يفقد هيبته وإحترامه. ذلك أن بترسّخ الفساد فإنه يعمل على حماية نفسه و ذلك بإبقاء كل الهياكل التي أنتجته على حالها ، فلا تغيير في القوانين ولا تعديل في اللوائح ولا تطوير في السياسات ، لذلك نجد أن المسؤولين المحليين غير مبالين بالتغيير و ذلك ضمان لإستمرار مناخ وثقافة الفساد اللذان يضمنان لهم إستغلال النفوذ . هذه الثقافة التي ترسخت في المجتمع الجزائري عامة، والجهاز الإداري خاصة ما تزال تتسع دائرتها، و تتشابك حلقاتها، وتترابط آلياتها بدرجة لم يسبق لها مثيل من قبل، الأمر الذي أصبح يهدد مسار العمل التنموي السياسي والإداري ومستقبل المجتمع الجزائري في الصميم.
لعل حجم مشكلة الفساد في الأجهزة الإدارية المحلية الجزائرية، و مخاطر تشعبها وتفاقمها تستدعي تفعيل آليات لمحاصرة الظاهرة والقضاء على تداعياتها السلبية على عملية بناء قدرات الإدارة المحلية، وفق إستراتيجية شاملة واضحة متكاملة بعيدة المدى، وليس إجراءات ظرفية قائمة على التغيير الشكلي والتي تكون أقرب إلى إدارة الفساد.
رابعا : إستراتيجية بناء قدرات الإدارة المحلية و تقليص الفساد :
وحتى يتم التصدي لهذه المشكلات لا بدّ من إستراتيجية بديلة لإصلاح الإدارة المحليــــة لدعم
التنمية و تقليص مظاهر الفساد. هذه الإستراتيجية (16) التي ينبغي أن لا تتعاطى مع موضوع فساد الأجهزة الإدارية في الجزائر بصورة ردة فعل (Reactive)، وبالتالي كأمر يجب محاربته و معاقبة المفسدين (Corrective Approach) ، وإنما أن تتعاطى مع الموضوع بصورة إستباقية Proactive)) عبر معالجة أسباب، و عوامل تأخير، وتعطيل، وفساد أجهزة الإدارة في الجزائر(Preventive Approach ) و ذلك من أجل الوصول إلى ترشيد سلوك قيادتها،وبناء عامل ثقة المواطنين فيها.هذه الإستراتيجية المستهدفة للوصول لدعم التنمية ومحاربة الفساد الإداري تقوم على أساس توفر قيادات إدارية محلية كفؤة تتناسب و الوظائف القيادية العليا ، و التي تتميز بالخصائص التالية :
ـ القدرة على إستيعاب التنمية وتحدياتها، وحل التناقضات التي تنشأ بين الأطراف المختلفة خلال عملية التغيير لبعض الأطراف، وفك التحالفات المقاومة للإصلاح، و كسر حدة المقاومة من قبل العناصر التي تبدي مقاومة للتغيير أو إستمالة هذه العناصر. فهذه مهام تعتبر القيادة مؤهلة للقيام بها مما لا يتاح لغيرها من الأطراف.
ـ القدرة على تحديد الأهداف وتحديد السياسات والإجراءات بوضوح، ودراستها دراسة جيدة تعتمد على التحليل و المقارنة، حتى تكون أهدافا قابلـة للتحقيق دون أن يترتب عليها إستنزاف القدرات والطاقات المحلية في مجالات عديمة الفائدة. فوضوح الأهداف يساعد على توجيه الجمهور والطاقات والإمكانيات المتوفرة.
ـ القدرة على الحركة و المبادأة و الإبتكار ومواجهة المواقف والتغيرات التنظيمية أو التكنولوجية أو البشرية، و كذلك القدرة على مواجهة الأزمات.
ـ القدرة على إتخاذ القرارات الموضوعية، و ذلك من خلال إنتهاج المعرفة العلمية في إتخاذ القرارات، و الإبتعاد عن العشوائية، و العمل على حدود قدرات التنظيم البشرية و التنظيمية و المادية .
ـ القدرة على التنفيذ بكفاءة وفعالية، والمهارة على بلورة السياسات وتحديد الأهداف ضمن القدرات المتوفرة، والقدرة على ترجمة السياسات إلى الواقع العملي، والقدرة على حشد الطاقات للوصول إلى الأهداف المنشودة (18).
ومن هذا فإن الجزائر بحاجة إلى إستراتيجية بديلة لتنمية الإدارة المحلية وبناء قدراتها حتى تكون مكملة ومتفاعلة مع نسقها الكلي المتمثل في التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة، وهذا لا يكون إلا بإصلاحات إدارية مستمرة و متجددة مواكبة للتغيرات والتحولات الإجتماعية الكبرى. لذا فأن إصلاح الجهاز الإداري المحلي يجب أن يمثل أحد الأهداف الإستراتيجية ضمن إستراتيجية التنمية الشاملة.
ونظرا لأهمية تنمية الإدارة المحلية، فإنه من الضروري أن تعمل القيادة بإستمرار على تجسيد الإصلاح الإداري الذي يعتبره الأستاذ الدكتور " عمار بوحوش " عملية شاملة تتناول جميع جوانب العملية الإدارية و إجراءاتها و الجوانب السلوكية المرتبطة بها، كالجوانب التنظيمية والإجرائية، والقانونية، وتحسين إجراءات التوظيف، وتطبيق قواعد الجدارة والإستحقاق، وتكافؤ الفرص من أجل الإبتعاد عن المحسوبية بكافة أشكالها، وتطوير خطة ووصف الوظائف وتحليلها (19).
وحتى تحقق هذه التنمية الإدارية فعاليتها ومسايرتها للأوضاع الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية في المجتمع، فإن على المهتمين بها أن يسلكوا سياسات جديدة في عملية الإصلاح الإداري آخذين بعين الإعتبارات جانب تحسين وتطوير برامج التدريب، ووضع قواعد عملية وثابتة لنقل الموظفين، وتطوير سياسة الترقية وإجراءاتها، كما يجب حماية الموظف من بعض الممارسات التي قد يتعرض لها، كالضغوط السياسية من قبل رجال السياسة، أو كبار موظفي الدولة، مما يسبب في ظاهرة إنتهاك الأخلاق الوظيفية.
كما يجب على المهتمين بالإصلاح الإداري وبناء قدرات الإدارة المحلية إعادة النظر في الهياكل التنظيمية الإدارية والنصوص القانونية و التنظيمية التي تضبط هياكل الإدارة المحلية وتحدد أساليب العمل فيها، والإهتمام بالعنصر الإنساني بإعتباره العنصر الأساسي في التنمية الشاملة، و ذلك عن طريق تشجيع الأسلوب الشوري والديمقراطي في الأجهزة الإدارية المحلية، وتطوير النظام الوظيفي على ضوء التغيرات الإجتماعية والإقتصادية، وإتاحة الفرصة للعاملين للمساهمة في إدارة شؤون الإدارة المحلية، وتقديم مقترحاتهم بكل حرية وجرأة مما يشجع على تحسين أساليب العمل الإداري. وهذا حتى يستطيع التنظيم أن يواكب جميع التطورات والتغيرات المستمرة من ناحية، والتخلص من العيوب التنظيمية وتقريب القمة من القاعدة من ناحية أخرى. كل هذا في إطار مشروع شامل يضم كافة المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية في المجتمع.
هذا إلى جانب دعم و تبني القيادة السياسية العليا للإصلاح الإداري في الدولة له، من خلال تبنيها للأهداف والمحاور الرئيسية لخطة الإصلاح و متابعتها وتقييمها للإنجازات المتحققة بشأنها (20). بالإضافة إلى ضرورة العمل على تغيير الحالة الذهنية للموظفين الذين يتصفون باللامبالاة والعزوف والحياد السلبي، وذلك بتوسيع مشاركتهم في إتخاذ القرارات، وإطلاعهم على كل ما يجري من تعديلات وتغييرات تنظيمية، مما يسمح أن تكون لهم الفاعلية في المشاركة في عملية التنمية المحلية. والتحكم في عملية قنوات الإتصال بين القيادة والقاعدة من أجل خلق الثقة والتعاون المتبادل بينهما. والإلتزام بمبدأ وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب، وإحترام شروط التعيين في الوظيفة، وإتباع سياسة واضحة في الترقية، وتوفير الشروط المادية والمالية للقيام بالعمل الإداري الفعال.
كما يجب العمل على التخفيف من المركزية الإدارية، ويتم ذلك بتوسيع نطاق التفويض في الإختصاص، مع تقرير مبدأ القيادة الجماعية لمنع فرض سلطة الرؤساء الإداريين، وتشجيع المجالس الشعبية المحلية المنتخبة على الإسهام بدورها في محاربة البيروقراطية الهجينة. وإعادة النظر في التنظيم الهيكلي للإدارة المحلية وطرق تسييرها، خاصة وأن المجتمع الجزائري يعرف تحولات جوهرية. وبالتالي، فإن عملية إحداث إصلاح في الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري المحلي، عملية تفرضها طبيعة المرحلة التي تعيشها البلاد، لذلك يتوجب تطوير الهيكل التنظيمي للإدارة حتى يواكب الأهداف والأدوار الجديدة. هذا بالإضافة إلى ضرورة الإهتمام بالعنصر القيادي الكفء، وهذا بهدف تحقيق هدفين أساسيين: تقديم وتحسين الخدمة العامة للجمهور المحلي المتعامل معها، وتجنب التضخم البيروقراطي والبطالة المقنعة. وهذا بدوره يتطلب تجديد الهياكل الإدارية وتطعيمها بعناصر إدارية جديدة تواكب التطورات الحاصلة في المجتمع. من هذا يتبين لنا أن أهمية إتخاذ إجراءات إعادة تنظيم الإطارات بإستمرار، تعتبر عملية فعالة وضرورية لرفع الأداء الإداري المحلي وتطويره.
و في الأخير لإحداث تنمية إدارية محلية تتجاوب مع أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، ضرورة إيجاد هيئة عليا للإصلاح الإداري، تقوم برسم وتنفيذ إستراتيجيات الإصلاح الإداري، وتمتلك القدرة اللازمة من أجل إتخاذ القرار الملائم لتحقيق الأهداف المسطرة ضمن إستراتيجية للإصلاح. كما يجب أن تتمتع هذه الهيئة بالتمثيل الكافي والمعبر عن مشاركة جميع قطاعات الإدارة والإطارات العلمية والوطنية، وتتطلب هذه الهيئة تنمية قدراتها الفنية وتوفير الوسائل الضرورية لجمع وتحليل المعلومات لإتخاذ سياسات الإصلاح الإداري وتنفيذها. ولهذا تعتبر عملية إنشاء هيئة عليا للإصلاح الإداري ضرورة ملحة، نظرا للأمراض المكتبية والمشكلات الإدارية التي تتخبط فيها إدارتنا، إذ تعمل هذه الهيئة على التخفيف من حدتها، وتوفير الظروف الملائمة والوسائل الضرورية لبناء إدارة فعالة وقادرة على تحقيق أهداف وطموحات الدولة والمجتمع.
وبناءا على ذلك، حين تتحقق هذه الخطوات الإصلاحية، وتستوعب هذه المنطلقات، فإن تأثيرها يمكن أن يتابع من خلال التطور الذي يتوقع حدوثه في سلوك المنظمات والهيئات الإدارية المحلية، وتصرفات العاملين فيها.
إنطلاقا من ذلك نورد فيما يلي بعض المؤشرات التي يمكن إخضاعها لتقويم هذه النتائج والتي لخصها الأستاذ الدكتور" عامر الكبيسي" فـي النقاط التالية :
1ـ مدى التغيير الكمي و النوعي في الأهداف المحددة للمؤسسات والمنظمات وفي سلم الأولويات التي تعطي لها، ودرجة وضوحها والإيمان بها والإستعداد لتحقيقها.
2ـ مدى التغيير في الوسائل والأساليب التي تعتمدها المؤسـسات ومقارنة ما أحدثته القيم الجديدة في مستويات الكفاءة و الفعالية.
3ـ مدى التغيير والتطور في النظم و السياسات واللوائح، وخاصة تلك الموضحة لتوزيع الصلاحيات ولطرق الإتصال ، والمحددة لحقوق العاملين وواجباتهم .
4ـ مـدى التطور الحاصل في العلاقات التي تربط الأفراد داخل المؤسسات بعضهم ببعض وتلك التي تربطهم مع المتعاملين معهم خارج المؤسسة.
5ـ مدى الزيادة الكمية والتحسن النوعي الناجم في مستوى الإنتاج المتحقق أو الخدمات المقدمة بأقصر وقت وأبسط جهد وأقل تكلفة.
6ـ وأخيرا فإن أهمية النظام القيمي الذي تطمح المؤسسات الإدارية لتبنيه، سيكفل توفير المناخ الوظيفي اللائق، ويوفر للعاملين الأجور القائمة على الإيثار والأمانة والتجرد والموضوعية (21).
خاتمة:
وصفوة القول، تتطلب عملية بناء جهاز إداري محلي فعال ورشيد ليساهم في العملية التنموية السياسية الشاملة و المتوازنة، ضرورة إتخاذ إجراءات حاسمة و جريئة لوضع إستراتيجية بديلة للتنمية الإدارية، وهذا لن يتم ـ حسب تصوري ـ إلا بتأصيل الإدارة والإنطلاق من فهم الأبعاد الحضارية والبيئية للمجتمع الجزائري. هذا إذا علمنا أن الإدارة في الدول المستضعفة هي إدارة مقلدة في نظامها وقوانينها للغرب، ويشمل التراث الإداري الفرنسي مظهرا مستمرا في تأثيره على النظام الإداري الجزائري، الذي لم يتخلص بعد من ظاهرة التبعية الثقافية والقانونية والإدارية. ولم يتجنب بعد أسلوب "العلاج بالمثل" Homéo Pathic الذي يجعله مجرد جهاز إداري تابع ومستغل ومتغرب عن المجتمع. خصوصا وأننا نعلم " أن الغرب اليوم و أكثر من أي وقت، يريد لنا غير ما نريده لأنفسنا، نحن نريد الحداثة، وهو يريد لنا التحديث، نحن نريد السيادة على أرضنا، وهو يجبرنا على قبول التبعية، نحن نصبو إلى التحرر والوحدة، وهو يفرض علينا الدكتاتورية بإسم الديمقراطية وحقوق الإنسان " (22).
من هذا فإن أول عمل يجب القيام به هو توفير المناخ العام الملائم لتطبيق الإصلاحات، الأمر الذي يستلزم إعادة النظر في بناء وأداء الجهاز الإداري حتى يواكب التحولات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقـافية العميقة، ذلك أن أي محاولة لإصلاح الجهاز الإداري المحلي تتم بمعماوال عن هذه التحولات و التأثيرات البيئية محكوم عليها بالفشل. لذا يجب على مخططي التنمية وبناء قدرات الإدارة المحلية الإستفادة من الأخطاء السابقة، ودراسة الواقع الإجتماعي، ومراعاة العوامل البيئية المحيطة بالإدارة.
إذا، فالبيئة الإدارية هي جزء لا يتجزأ من البيئة السياسية والإجتماعية والإقتصادية و الثقـافية، وأي خلل فيها سيؤدي حتما ـ بحكم التجارب ـ إلى الفشل والإخفاق في العملية التنموية السياسية الشاملة، مما يستلزم على صانعي القرارات الإستراتيجية أن ينظروا إلى العامل البيئي بعين الإعتبار، لا على المستوى الداخلي المحلي والوطني فقط، بل وعلى المستوى الخارجي الدولي، خاصة ونحن في عصر التكتلات الدولية والصراعات الحضارية والسيطرة على المؤسسات والمنظمات المالية والإدارية والثقافية الدولية.
هوامش الدراسة:
(1) ـ عبد المحسن محمد الرشود، الإدارة المحلية في المملكة العربية السعودية، الرياض: دار الشبل للنشر والتوزيع، 1419هـ، ص36.
(2) ـ المؤتمر العربي الثالث حول الإدارة المحلية، القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 10ـ14 أبريل 2005، ص 198.
(3) ـ أحمد رشيد، التنمية المحلية، القاهرة: دار النهضة العربية، 1989، ص 18.
(4) ـ أحمد رشيد، نظام الحكم والإدارة، الإسكندرية: دار المعارف، 1989، ص 32.
(5) ـ إذا كان مفهوم الحكم ( Governance ) مفهوما محايدا، و قديم قدم ظاهرة الحكم في التاريخ البشري، إذ يعبّر عن ممارسة السلطة السياسية و إدارتها لشؤون المجتمع، و موارده، وتطوره الإقتصادي و الإجتماعي. و مشاركة آليات و مؤسسات رسمية و غير رسمية في صنع القرارات أو في التأثير فيها. فإن مفهوم الحكم الصالح ( Good Governance ) أو الجيد أو الرشيد مفهوم قيمي لإدارة السلطة للحكومة والمجتمع بإتجاه تطويري تنموي تقدمي، يُِنتسب إلى أجهزة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي. ولعل البنك الدولي World Bank » « هو أول من إستخدم هذا المصطلح عام 1989 في تقرير له حول أساليب الحكم و الإدارة في إفريقيا جنوب الصحراء. ومنذ ذلك الحين شاع إستخدامه في الدوائر الأكاديمية الغربية والعالمية. من هذا يظهر أن هذا المصطلح قد تم تصنيعه خصيصا للبلدان المستضعفة، ليكون مقياسا لديها في منح القروض والهبات، على أن تبقى تلك الأجهزة صاحبة الحكم في تقويم من هو صالح ومن هو غير صالٍح، بما ينسجم مع مصالحها ومصالح الدول المهيمنة عليها. وبالتالي ليس هذا المصطلح محايدا ويكفي الشك به بالنظر إلى طريقة صناعته ووظيفته، بينما يمثل تعبيرا مبهما لقضية واضحة هي قضية التنمية السياسية والديمقراطية.
كما تجدر الإشارة أن هذا المصطلح الذي تلقفه الباحثون العرب قد إختلفوا بشأنه كمفهوم، كما إختلفوا على تعريبه، بحيث ترجم إلى اللغة العربية إلى العديد من الكلمات مثل "إدارة الحكم"، "الإدارة المجتمعية "، والمحكومية"، و"الحاكمية"، و"الحوكمة"، و"الحِكمانِية"، ويستخدم البعض الآخر مصطلح "إدارة شئون الحكم"، ويجتهد نفر ثالث من الباحثين فيعبر عن المفهوم بمصطلح "الحكم الموسع"، أو بـ "إدارة الحكم".أنظر:
ـ زهير عبد الكريم الكايد، الحِكْمانِية قضايا وتطبيقات، القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 2003، ص 9.
ـ سلوى شعراوي جمعة وآخرون، إدرة شؤون الدولة و المجتمع، جامعة القاهرة، كلية الإقتصاد و العلوم السياسية: مركز دراسات و إستشارات الإدارة العامة، 2001، ص 10.
(6) ـ للإشارة أن مفهوم الحكم الصالح قد ترافق مع تطوير مفاهيم التنمية. فلقد تغيرت مفاهيم التنمية من التركيز على النمو الإقتصادي إلى التركيز على التنمية البشرية ثم التنمية البشرية المستدامة، أي الإنتقال من الرأسمال البشري إلى الرأسمال الإجتماعي، وصولا إلى التنمية الإنسانية. و قد ركزت تقارير التنمية البشرية التي بدأ برنامج الأمم المتحدة بإصدارها منذ العام 1990 على مفهوم نوعية الحياة ، و على محورية الإنسان في العملية التنموية ، ويعود السبب في ذلك أن النمو الإقتصادي لبعض البلدان لم يترافق مع تحسين عيش أغلبية السكان. ذلك أن ليس بالضرورة تحسن الدخل القومي يؤدي تلقائيا إلى تحسين نوعية الحياة للمواطنين. وإستنادا على هذا فإن الحكم الصالح يهدف إلى بناء نظام إجتماعي عادل عبر تمكين الفئات المهمة، والمشاركة الفعالة للمواطنين و توسيع خياراتهم و إمكاناتهم. وهذا ما سماه تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002 بالتنمية الإنسانية. أنظر:
ـ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي و الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي، تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002: خلق الفرص للأجيال القادمة، نيويورك: البرنامج، المكتب الإقليمي للدول العربية، 2002، ص 16 ـ 17.
(7) ـ حسن العلواني، "اللامركزية في الدول النامية من منظور أسلوب الحكم المحلي الرشيد"، في كتاب: مصطفى كامل السيد، الحكم الرشيد و التنمية في مصر، القاهرة: مركز دراسات و بحوث الدول النامية، 2006، ص 78.
(Cool ـ كمال المنوفي وآخرون، الإصلاح المؤسسي بين المركزية واللامركزية، القاهرة: مركز دراسات واستشارات الإدارة المحلية، 2001، ص 71.
(9) - Bertelsmann Fondation, Democracy and Efficiency in Local Government ,
يحي سباع- الإدارة العامة
- عدد المساهمات : 339
تاريخ التسجيل : 11/06/2016
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى